10:21 مساءً / 10 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

الشرع والتطبيع ، بقلم : مصطفى عبد الوهاب العيسى

الشرع والتطبيع ، بقلم : مصطفى عبد الوهاب العيسى

الشرع والتطبيع ، بقلم : مصطفى عبد الوهاب العيسى

انطلاقاً من منطق الصراع التاريخي مع إسرائيل ، وانتصاراً لقضايا عادلة نؤمن بها ، واستناداً إلى القواسم المشتركة لمبادئ جامعة لنا إنسانياً وقومياً ودينياً ، وبصوت الجوع والقهر الذي ينهش غزة ، وبلسان الموت الذي حصد أرواح عشرات الآلاف من أطفالها ونسائها وشيوخها فإن التطبيع مع إسرائيل خيانة وجريمة لن يغفرها الزمان أبداً .


في ظل الوضع الراهن الذي تعيشه المنطقة – وسوريا بشكل خاص – وما مرت به من أزمات خلال خمسة عشر عاماً ، وما تعيشه من دوامة سياسية واجتماعية ، والانقسامات الداخلية التي أفرزت واقعاً جديداً شمل المنطقة بأسرها ، ومع تصاعد الضغوط الدولية ، وظهور دراسات لمشاريع اقتصادية مستقبلية تفرض نمطاً مختلفاً بالسياسة على إدارات وحكومات دول الشرق الأوسط ، وبشكل خاص فيما يتعلق بمسار السلام الذي بات مفروضاً على مختلف الأطراف المتنازعة ، ومع ما يقتضيه الواقع السياسي للمرحلة فإن جلوس دمشق وتل أبيب للتفاوض – وربما التطبيع – أصبح إن صح التعبير أمراً لا مفر منه .


ربما يتفق الموالون والمعارضون للرئيس السوري أحمد الشرع على تمتعه بخبرة عسكرية ، وهو ما لا يمكن الاستفادة منه في أي مواجهة عسكرية مع إسرائيل نظراً لضعف الإمكانيات العسكرية – إن لم نقل انعدامها – مقارنة بما تمتلكه إسرائيل من تفوق تقني واستراتيجي .


أما على الصعيد السياسي فلا يوجد إجماع حول حنكته ، وتنقسم الآراء بين من يُروجون ويُطبلون لسياساته دون إلمام بأساسيات العمل السياسي ، وبين ساخرين يرفضون مجمل توجهاته السياسية دون قراءة موضوعية بسبب خصومتهم الشديدة له وللحكومة الانتقالية .


شخصياً ، أنتمي إلى رؤية ثالثة ، لا تتبنى سياساته ، لكنها ترى فيه بميزان المنطق السياسي شيئاً من المرونة السياسية ، وقابلية للتكيف والتغيير السياسي ، والتعامل بقدر من الذكاء في بعض الملفات السياسية ، حتى وإن كانت رئاسة دولة لها ثقل وإرث مثل سوريا هي التي فرضت عليه ذلك ، وأثَّرت في ملامح شخصيته السياسية .


لتجنب الإطالة ، سأفترض أن الشرع وإدارته يملكون اليوم قدراً كافياً من الخبرة السياسية ، وسأذهب أبعد من ذلك لأفترض قدرتهم وتفوقهم في فنون التفاوض ، وهنا يبرز السؤال الأهم : هل يمتلك الشرع ما يكفي من أوراق القوة لخوض مفاوضات حقيقية؟! أم أنه سيكون مضطراً لتقديم تنازلات لا يقبل بها السوريون ، ولا تعبِّر عن مصالحهم؟
أول وأهم أوراق القوة التي ينبغي أن تكون بحوزة الرئيس الشرع اليوم قبل الغد – نظراً لأهمية عامل الوقت – هي الجبهة الداخلية المتماسكة في سوريا – التي تشهد في الآونة الأخيرة تصدعات كبيرة تهدد استقرارها – ولا سبيل لتعزيزها وإعادة تماسكها إلا من خلال المصالحات الوطنية ، والاتفاقات الفعلية ، والحوار الوطني الجاد الذي ينشده السوريون ، ويتأملون من مخرجاته أن تقود مرحلة حقيقية في بناء دولة وطنية وديمقراطية تضمن حقوق جميع المواطنين ، وتعمل على حل القضايا العالقة ، وتلبية المطالب المشروعة ، وتقديم صورة مستقبلية تطمئن السوريين وتلبي تطلعاتهم .


ثاني الأوراق التي ينبغي العمل على تأمينها هي التخلي عن الرؤى الأحادية ، وتفعيل المشاركة السياسية الشاملة لجميع القوى الوطنية السورية في إدارة المرحلة الانتقالية ، وفي مختلف مفاصل الدولة ، وذلك بهدف إتاحة المجال لتوفير رؤى سياسية متنوعة ، واستشارات صادقة ، ووجهات نظر متعددة ، إلى جانب طرح البدائل ، وتقديم الخبرات العملية والكفاءات التي تمتلكها النخب الوطنية – من أحزاب وشخصيات – وهو ما من شأنه أن يعزز من كفاءة الوفود المفاوضة ، ويرفدها بقاعدة كبيرة من الدعم السياسي والفكري والإعلامي والشعبي .


ثالث أوراق القوة تتمثل في “الحضن العربي” إن صح التعبير ، ولا أعني بذلك الاقتصار على دول الخليج والسير في مسارها فقط – رغم التأكيد على أهمية ذلك ، لما تتمتع به الرياض وجاراتها من استقرار سياسي واقتصادي يجعلهم يفاوضون من موقع قوة وتأثير – ولكن المقصود أن يكون الدعم العربي لسوريا قبل الدخول في أي مفاوضات أكبر وأعمق ، ولن يتحقق هذا العمق العربي ، ولن تتمكن سوريا من الإمساك الفعلي بالورقة العربية إذا لم تُطوِّر علاقاتها بشكل جوهري مع القاهرة التي تتمتع بتأثير استثنائي في المنطقة .


أما آخر أوراق القوة ، فتتمثل في القراءة الموضوعية لما جرى ويجري خلال العامين الماضيين ، والوصول إلى قناعة راسخة بأن تل أبيب بحاجة إلى التطبيع أكثر من حاجة دمشق إليه ، وأن الصورة التي يُروَّج لها إعلامياً عن قوة إسرائيل تفوق واقعها الحقيقي ، فهي أضعف بكثير مما يتصوره البعض عنها ، كما أن المنطقة بأكملها من منظور جيوسياسي واستراتيجي تحتاج إلى سوريا أكثر من حاجة سوريا إليها ، وهو ما يمنح دمشق موقعاً وموقفاً تفاوضيَّاً أقوى إن تم توظيفه واستخدامه بشكل مناسب .


دستورياً وقانونياً ، وبحسب رأي المختصين ، لا يحق لدمشق توقيع اتفاقيات سلام أو تطبيع أو ما شابه ذلك في هذه المرحلة ، وقبل أن يُنتخب مجلس شعب جديد يُخوَّل بالمصادقة على مثل هذه القرارات ، وعليه فإن النصيحة الأخيرة تتمثل في ضرورة التروي ، وعدم التسرع خلال الفترة المقبلة في توقيع أي اتفاق ، والاكتفاء في الوقت الراهن بالعمل على إعادة تثبيت اتفاق فصل القوات وفض الاشتباك الموقع عام 1974 .


ختاماً ، ونظراً لاختلاف الظروف في المرحلة الراهنة ، فإن الشرع في ملف الصراع العربي الإسرائيلي ليس مطالباً بمواقف حازمة كمواقف الرئيس جمال عبد الناصر و لاءاته الثلاث الشهيرة ، لكنه في المقابل مطالب بأن يكون التطبيع – إن حدث – عادلاً ، وأن يتمتع بالقدر الكافي من الذكاء – ولمصلحته الشخصية – في ألَّا يكون سبباً في صناعة ” خالدٍ إسلامبوليٍ ” جديد بيديه .


كما ينبغي أن يكون السلام الذي كثر الحديث عنه في هذه المرحلة قائماً – في الحد الأدنى – على مبدأ “الأرض مقابل السلام” ، حتى لا تجد دمشق – التي تُجرِّم تمجيد رموز النظام السابق – نفسها ، وقد صنعت من بشار الأسد بطلاً مع سبق الإصرار والقصد .

شاهد أيضاً

البيت الروسي في بيت لحم يُقدم عرضًا تقديميا تعريفيًا حول فرص الحصول على التعليم في روسيا

البيت الروسي في بيت لحم يُقدم عرضًا تقديميا تعريفيًا حول فرص الحصول على التعليم في روسيا

شفا – قدم البيت الروسي في بيت لحم عرضًا تقديميا تعريفيًا حول فرص الحصول على …