12:19 صباحًا / 7 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

الشرع والتطبيع ، بقلم : مصطفى عبد الوهاب العيسى

الشرع والتطبيع ، بقلم : مصطفى عبد الوهاب العيسى

الشرع والتطبيع ، بقلم : مصطفى عبد الوهاب العيسى

انطلاقاً من منطق الصراع التاريخي مع إسرائيل ، وانتصاراً لقضايا عادلة نؤمن بها ، واستناداً إلى القواسم المشتركة لمبادئ جامعة لنا إنسانياً وقومياً ودينياً ، وبصوت الجوع والقهر الذي ينهش غزة ، وبلسان الموت الذي حصد أرواح عشرات الآلاف من أطفالها ونسائها وشيوخها فإن التطبيع مع إسرائيل خيانة وجريمة لن يغفرها الزمان أبداً .


في ظل الوضع الراهن الذي تعيشه المنطقة – وسوريا بشكل خاص – وما مرت به من أزمات خلال خمسة عشر عاماً ، وما تعيشه من دوامة سياسية واجتماعية ، والانقسامات الداخلية التي أفرزت واقعاً جديداً شمل المنطقة بأسرها ، ومع تصاعد الضغوط الدولية ، وظهور دراسات لمشاريع اقتصادية مستقبلية تفرض نمطاً مختلفاً بالسياسة على إدارات وحكومات دول الشرق الأوسط ، وبشكل خاص فيما يتعلق بمسار السلام الذي بات مفروضاً على مختلف الأطراف المتنازعة ، ومع ما يقتضيه الواقع السياسي للمرحلة فإن جلوس دمشق وتل أبيب للتفاوض – وربما التطبيع – أصبح إن صح التعبير أمراً لا مفر منه .


ربما يتفق الموالون والمعارضون للرئيس السوري أحمد الشرع على تمتعه بخبرة عسكرية ، وهو ما لا يمكن الاستفادة منه في أي مواجهة عسكرية مع إسرائيل نظراً لضعف الإمكانيات العسكرية – إن لم نقل انعدامها – مقارنة بما تمتلكه إسرائيل من تفوق تقني واستراتيجي .


أما على الصعيد السياسي فلا يوجد إجماع حول حنكته ، وتنقسم الآراء بين من يُروجون ويُطبلون لسياساته دون إلمام بأساسيات العمل السياسي ، وبين ساخرين يرفضون مجمل توجهاته السياسية دون قراءة موضوعية بسبب خصومتهم الشديدة له وللحكومة الانتقالية .


شخصياً ، أنتمي إلى رؤية ثالثة ، لا تتبنى سياساته ، لكنها ترى فيه بميزان المنطق السياسي شيئاً من المرونة السياسية ، وقابلية للتكيف والتغيير السياسي ، والتعامل بقدر من الذكاء في بعض الملفات السياسية ، حتى وإن كانت رئاسة دولة لها ثقل وإرث مثل سوريا هي التي فرضت عليه ذلك ، وأثَّرت في ملامح شخصيته السياسية .


لتجنب الإطالة ، سأفترض أن الشرع وإدارته يملكون اليوم قدراً كافياً من الخبرة السياسية ، وسأذهب أبعد من ذلك لأفترض قدرتهم وتفوقهم في فنون التفاوض ، وهنا يبرز السؤال الأهم : هل يمتلك الشرع ما يكفي من أوراق القوة لخوض مفاوضات حقيقية؟! أم أنه سيكون مضطراً لتقديم تنازلات لا يقبل بها السوريون ، ولا تعبِّر عن مصالحهم؟
أول وأهم أوراق القوة التي ينبغي أن تكون بحوزة الرئيس الشرع اليوم قبل الغد – نظراً لأهمية عامل الوقت – هي الجبهة الداخلية المتماسكة في سوريا – التي تشهد في الآونة الأخيرة تصدعات كبيرة تهدد استقرارها – ولا سبيل لتعزيزها وإعادة تماسكها إلا من خلال المصالحات الوطنية ، والاتفاقات الفعلية ، والحوار الوطني الجاد الذي ينشده السوريون ، ويتأملون من مخرجاته أن تقود مرحلة حقيقية في بناء دولة وطنية وديمقراطية تضمن حقوق جميع المواطنين ، وتعمل على حل القضايا العالقة ، وتلبية المطالب المشروعة ، وتقديم صورة مستقبلية تطمئن السوريين وتلبي تطلعاتهم .


ثاني الأوراق التي ينبغي العمل على تأمينها هي التخلي عن الرؤى الأحادية ، وتفعيل المشاركة السياسية الشاملة لجميع القوى الوطنية السورية في إدارة المرحلة الانتقالية ، وفي مختلف مفاصل الدولة ، وذلك بهدف إتاحة المجال لتوفير رؤى سياسية متنوعة ، واستشارات صادقة ، ووجهات نظر متعددة ، إلى جانب طرح البدائل ، وتقديم الخبرات العملية والكفاءات التي تمتلكها النخب الوطنية – من أحزاب وشخصيات – وهو ما من شأنه أن يعزز من كفاءة الوفود المفاوضة ، ويرفدها بقاعدة كبيرة من الدعم السياسي والفكري والإعلامي والشعبي .


ثالث أوراق القوة تتمثل في “الحضن العربي” إن صح التعبير ، ولا أعني بذلك الاقتصار على دول الخليج والسير في مسارها فقط – رغم التأكيد على أهمية ذلك ، لما تتمتع به الرياض وجاراتها من استقرار سياسي واقتصادي يجعلهم يفاوضون من موقع قوة وتأثير – ولكن المقصود أن يكون الدعم العربي لسوريا قبل الدخول في أي مفاوضات أكبر وأعمق ، ولن يتحقق هذا العمق العربي ، ولن تتمكن سوريا من الإمساك الفعلي بالورقة العربية إذا لم تُطوِّر علاقاتها بشكل جوهري مع القاهرة التي تتمتع بتأثير استثنائي في المنطقة .


أما آخر أوراق القوة ، فتتمثل في القراءة الموضوعية لما جرى ويجري خلال العامين الماضيين ، والوصول إلى قناعة راسخة بأن تل أبيب بحاجة إلى التطبيع أكثر من حاجة دمشق إليه ، وأن الصورة التي يُروَّج لها إعلامياً عن قوة إسرائيل تفوق واقعها الحقيقي ، فهي أضعف بكثير مما يتصوره البعض عنها ، كما أن المنطقة بأكملها من منظور جيوسياسي واستراتيجي تحتاج إلى سوريا أكثر من حاجة سوريا إليها ، وهو ما يمنح دمشق موقعاً وموقفاً تفاوضيَّاً أقوى إن تم توظيفه واستخدامه بشكل مناسب .


دستورياً وقانونياً ، وبحسب رأي المختصين ، لا يحق لدمشق توقيع اتفاقيات سلام أو تطبيع أو ما شابه ذلك في هذه المرحلة ، وقبل أن يُنتخب مجلس شعب جديد يُخوَّل بالمصادقة على مثل هذه القرارات ، وعليه فإن النصيحة الأخيرة تتمثل في ضرورة التروي ، وعدم التسرع خلال الفترة المقبلة في توقيع أي اتفاق ، والاكتفاء في الوقت الراهن بالعمل على إعادة تثبيت اتفاق فصل القوات وفض الاشتباك الموقع عام 1974 .


ختاماً ، ونظراً لاختلاف الظروف في المرحلة الراهنة ، فإن الشرع في ملف الصراع العربي الإسرائيلي ليس مطالباً بمواقف حازمة كمواقف الرئيس جمال عبد الناصر و لاءاته الثلاث الشهيرة ، لكنه في المقابل مطالب بأن يكون التطبيع – إن حدث – عادلاً ، وأن يتمتع بالقدر الكافي من الذكاء – ولمصلحته الشخصية – في ألَّا يكون سبباً في صناعة ” خالدٍ إسلامبوليٍ ” جديد بيديه .


كما ينبغي أن يكون السلام الذي كثر الحديث عنه في هذه المرحلة قائماً – في الحد الأدنى – على مبدأ “الأرض مقابل السلام” ، حتى لا تجد دمشق – التي تُجرِّم تمجيد رموز النظام السابق – نفسها ، وقد صنعت من بشار الأسد بطلاً مع سبق الإصرار والقصد .

شاهد أيضاً

خطة للجيش الإسرائيلي لاحتلال قطاع غزة بالكامل

شفا – من المتوقع أن يصادق “الكابينت” الإسرائيلي الخميس على خطة عسكرية شاملة تقضي باجتياح …