
مؤتمر دعم حل الدولتين ، بقلم : اسامة خليفة
بعد إعلان الكنيست الإسرائيلي ضم الضفة الغربية، وتكرار الحديث عن مخطط «اليوم التالي» الأميركي الاسرائيلي في قطاع غزة، أصبحت الأهداف واضحة والأبعاد معروفة، ولم تعد تنفع مؤتمرات تكتفي بإصدار بيانات حتى لو كان مؤتمرهم على أعلى المستويات من أجل تسوية سياسية تقوم على «حل الدولتين»، أقل المساعي الجادة والمطلوبة دولياً للمساعدة على إنهاء الاحتلال وتجسيد قيام دولة فلسطين المستقلة وذات السيادة، هو رادع يردع الاحتلال، أخفها فرض عقوبات اقتصادية وتجارية وعسكرية على إسرائيل حتى تستجيب حكومة الاحتلال للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة.
بدعوى مشتركة من فرنسا والسعودية عُقد في الفترة من 28 إلى 30 تموز/يوليو 2025 مؤتمر في الأمم المتحدة، من أجل وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، واعتماد مسار يقود إلى حل سياسي ينهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. حتى أن المؤتمر نفسه قد أقر أن غياب التدابير الحاسمة في اتجاه «حلّ الدولتين» وضمانات دولية راسخة سيؤدي إلى تعمّق النزاع وإبقاء السلام الإقليمي بعيد المنال. ويتكرر في البيان الختامي للمؤتمر كما هي العادة التنديد والرفض اللفظي حيث جاء في البيان «نؤكد مجدداً رفضنا لأي إجراءات تؤدي إلى تغييرات إقليمية أو ديمغرافية، بما يشمل التهجير القسري للسكان المدنيين الفلسطينيين، وهو ما يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني. كما ندين الهجمات التي شنتها إسرائيل ضد المدنيين في غزة والبنية التحتية المدنية، والحصار والتجويع، والتي أسفرت عن كارثة إنسانية مدمرة وأزمة حماية.
هذا البيان ساوى بين الجلاد والضحية في إدانة حركة المقاومة ضد الاحتلال وكأن القضية الفلسطينية بدأت في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وكأن قطاع غزة لم يكن محاصراً منذ نحو عشرين عاماً، وكأن سكانه لم يكونوا رهائن في أكبر سجن في التاريخ. وما الأسرى الإسرائيليين المتبقين في أسر المقاومة سوى جنود في الجيش الإسرائيلي طالما ساهموا في حصار وقتل الفلسطينيين، ولا يجوز بأي حال مقارنة عملية عسكرية في غلاف غزة ضد احتلال غاشم، بحرب إبادة وتجويع وتهجير لشعب بأكمله وهي جريمة حرب كاملة الأركان يُستخدم فيها غذاء المدنيين سلاحاً في المعركة.
يبدو أن فرق عمل المؤتمر ودول أوروبا وهي تخطو في مسار تطبيق قرارات المؤتمر ستكون أمام أحد أمرين إما تحدي السياسة الأميركية الداعمة لإسرائيل وحاميتها من القرارات المناهضة، أو أن تلجأ إلى سياسة الاستجداء العقيمة، في ظل عدم حرص الرئيس الأميركي ترامب على «حل الدولتين» ومعارضته قيام الدولة الفلسطينية، وإصراره على امتلاك غزة وتسلمها من إسرائيل بعد احتلالها، تامي بروس المتحدثة باسم الخارجية الأميركية وصفت المؤتمر بأنه «مسرحية دعائية تأتي وسط جهود دبلوماسية لإنهاء الصراع» في كذب سافر وإنكار أن الولايات المتحدة تؤجج الصراع، بل هي من يديره وتقدم السلاح لجيش العدوان. وحسب مصادر دبلوماسية، فقد مارست إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضغوطاً دبلوماسية واسعة لمنع الحكومات من المشاركة في مؤتمر دعم « حل الدولتين »، عبر إرسال برقيات تحثها على عدم الحضور ومن المتوقع ان تمارس ضغوطاً على أي إجراء فعلي تلجأ إليه فرق العمل التي أقرها المؤتمر للوصول إلى حل الدولتين، وتضع الولايات المتحدة شروطاً منحازة لا تؤدي إلى «حل الدولتين» كإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني والسلطة الفلسطينية وفقاً لمعايير أمنية إسرائيلية والاعتراف بإسرائيل دولة يهودية.
عبّرت مرافعات المؤتمرين من أجل حل الدولتين عن توافق دولي بشأن «حل الدولتين» وتحويله إلى واقع ملموس، بآليات غير فاعلة، أمام غطرسة وتعنت اليمين الإسرائيلي الحاكم، إذ لم يشر أحد من المتحدثين، ولا البيان الختامي للمؤتمر إلى ضغوط أو عقوبات دولية، قد أصبح من المؤكد أنها ضرورة لإنهاء الاحتلال وحل الدولتين، الأمين العام للأمم المتحدة حذر من أننا وصلنا إلى نقطة الانهيار، وأن هذا الحل أبعد من أي وقت مضى.
ما كانت القضية الفلسطينية لتصل إلى هذه المرحلة لولا امتناع المؤسسات الدولية عن فرض عقوبات على إسرائيل. ودور الولايات المتحدة في حماية مرتكبي جرائم الحرب، واستخدام حق النقض الفيتو منعاً لأي قرار وفق البند السابع مناوئ لإسرائيل يلزمها بإنهاء الاحتلال.
برز في البيان الختامي للمؤتمر الفرنسي السعودي في نيويورك صورة مبهمة عن أي دولة فلسطينية نتحدث؟. الشعب الفلسطيني لن يقبل أقل من دولة كاملة السيادة حدودها حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية خالية من المستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلية، وضمان حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم، وإلى الالتزام الثابت والصادق بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومنها القرار 19/67 (2012)، والقرار 194، واحترام قرارات محكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، بما في ذلك تجريم إسرائيل بارتكابها حرب الإبادة الجماعية ضد شعبنا في القطاع، وملاحقة رئيس الطغمة الفاشية في إسرائيل وغيره لارتكابه جرائم حرب.
أكد محلل سياسي أن اعتراف الدول الغربية بفلسطين لن يكون له تأثير كاف على تسوية الوضع في قطاع غزة، لأن هناك حاجة إلى صيغة أخرى لاتخاذ القرارات، لا يمكن إنكار نقاط إيجابية كخطوة في الاتجاه الصحيح تتمثل في إعلان دول أوروبية عزمها الاعتراف بدولة فلسطين، وتحديد موعده خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة المقرر في أيلول/سبتمبر المقبل، ومنها دول وازنة غير فرنسا التي ملأت الإعلام صخباً حول اعترافها التاريخي وكأنه سينشل الزير من البير، من بين تلك الدول أستراليا وكندا وفنلندا ونيوزيلندا البرتغال وأندورا ومالطا وسان مارينو ولوكسمبورغ. ومع أهمية هذا الإعلان بالتأكيد على الحق الفلسطيني الثابت في تقرير المصير إلا أنه قد يتحول إلى إجراء روتيني لا يقدم ولا يؤخر فارغ من معناه ولا يؤدي إلى اكتساب فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة بدلاً من وضع عضو مراقب في الأمم المتحدة، بعد قرار اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2012.
أما بريطانيا صاحبة وعد بلفور وراعية المشروع الصهيوني وصانعة المأساة الفلسطينية، فقد حث نواب رئيس الوزراء على إعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال مؤتمر حل الدولتين الذي يعقد في نيويورك. وقد وقّع 221 نائباً في البرلمان البريطاني رسالة مشتركة تطالب رئيس الوزراء كير ستارمر بالاعتراف بدولة فلسطين، النواب الموقعين من 9 أحزاب بينها حزب العمال الحاكم، وحزب المحافظين المعارض، وحزب الديمقراطيين الليبراليين، وأحزاب أخرى من اسكتلندا وويلز.
الذين أكدوا أن الاعتراف البريطاني بدولة فلسطينية سيجسد مسؤولية بريطانيا التاريخية، وسيكون له أثر بالغ نظراً لدور بريطانيا في إعلان وعد بلفور وكونها السلطة المنتدبة السابقة على فلسطين. وتحدّث وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي خلال مؤتمر الأمم المتحدة بشأن التسوية السلمية لمسألة الدولة الفلسطينية وتطبيق حل الدولتين، عن «ظلم تاريخي يتكشف أمامنا باستمرار لأن وعد بلفور جاء بوعد صريح بأنه لن يؤتي بعمل من شأنه أن يضر بالحقوق المدنية والدينية للشعب الفلسطيني كذلك لم يُحترم ».
الاعتراف البريطاني بالدولة الفلسطينية غير كاف، ولا بد للحكومة البريطانية من تقديم الاعتذار للشعب الفلسطيني عن دورها في نكبته، وتحمل المسؤولية التاريخية والسياسية والأخلاقية تجاه ما لحق بالشعب الفلسطيني من معاناة، وإلغاء وعد بلفور وإصدار وعد مقابل يعترف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومساعدته في انهاء الاحتلال وبناء دولته المستقلة.
من جهة أخرى أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عزم بلاده الاعتراف بدولة فلسطين، أما وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو دعا إلى جعل المؤتمر نقطة تحول لتنفيذ حل الدولتين، زاعماً أن بلاده أطلقت زخماً لا يمكن إيقافه من أجل الوصول لحل سياسي في الشرق الأوسط. وأكد على أنه يجب الانتقال من نهاية الحرب على غزة إلى إنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني برمته.
من جهته، اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن النزاع الحالي في غزة يزعزع الاستقرار في المنطقة والعالم بأسره، وأن إنهاءه يتطلب إرادة سياسية، مستنكراً في الوقت ذاته الضم التدريجي للضفة الغربية المحتلة الذي اعتبره غير قانوني، ودعا لوقفه. وقال غوتيريش إن قيام دولة فلسطينية حق، وليس مكافأة، محذراً من أن إنكار هذا الحق «سيكون هدية للمتطرفين في كل مكان ».