9:28 مساءً / 4 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

الدراسات الاجتماعية.. مفتاح الوعي الثقافي، بقلم : د. سارة محمد الشماس

الدراسات الاجتماعية.. مفتاح الوعي الثقافي، بقلم : د. سارة محمد الشماس

الدراسات الاجتماعية.. مفتاح الوعي الثقافي، بقلم : د. سارة محمد الشماس


مع تزايد تعقيدات العالم وتداخل مكوناته، تبرز الدراسات الاجتماعية كأداة أساسية لفهم المجتمعات وتحليل سلوك الأفراد والجماعات ضمن سياقاتهم الثقافية والتاريخية. لم تعد تقتصر هذه الدراسات على نقل المعلومات بشكل مجرد، بل أصبحت وسيلة فعّالة لبناء وعي الإنسان، وتشكيل رؤيته لذاته ولمجتمعه والعالم من حوله. لذلك، أصبح ربط الدراسات الاجتماعية بالثقافة أمرًا ضروريًا لبناء شخصية متوازنة تدرك جذورها، وتتعامل بوعي مع حاضرها، وتخطط لمستقبلها بثقة.

الثقافة ليست مجرد تراث… بل أسلوب حياة

الثقافة ليست مجرد مجموعة من العادات أو الفنون الشعبية، بل هي منظومة شاملة ومتداخلة تتكون من القيم، والمعتقدات، واللغة، والتقاليد، والأنظمة الاجتماعية التي تشكل هوية الأفراد والمجتمعات. إنها الإطار الذي يفهم الإنسان من خلاله ذاته وعلاقته بالآخرين، ويشكل عبره رؤيته للعالم. في ظل هذا التعقيد تأتي الدراسات الاجتماعية لتكون أداة أساسية لفك شيفرة هذه الثقافة، وتحليل مكوناتها المتنوعة، والتعرف على كيفية نشأتها وتطورها عبر الزمن. عبر دمج الثقافة في المناهج الاجتماعية، يمكن بناء وعي نقدي يمكّن الأفراد من فهم جذورهم، التفاعل بوعي مع محيطهم، المساهمة بشكل فعّال في تطور مجتمعاتهم.

الدراسات الاجتماعية أداة لقراءة الذات والآخر

تتيح لنا الدراسات الاجتماعية من خلال مناهجها المختلفة، تحليل الظواهر الاجتماعية والثقافية بوصفها نتاجًا للتفاعل بين الأفراد والمجتمع. فهي لا تدرس الإنسان في عزلة، بل في إطار شبكة العلاقات التي تربطه بالأسرة، والمدرسة، والعمل، والإعلام، والمؤسسات الدينية والسياسية. من خلال هذا التحليل، نتمكن من فهم أسباب التحولات التي تطرأ على القيم والسلوكيات، كما نفهم أنماط التفاوت الاجتماعي، أسباب الصراعات الثقافية، سبل تعزيز التفاهم بين المجتمعات.

لماذا نربط الثقافة بالدراسات الاجتماعية؟

لأن هذا الربط ينتج وعيًا عميقًا بالهوية والانتماء. فعندما يدرس الطالب تاريخ مجتمعه وثقافته من زاوية اجتماعية، فإنه لا يحفظ المعلومات فحسب، بل يتفاعل مع القضايا القيمية والأخلاقية والفكرية التي تشكل أساس الحياة المشتركة. كما أن هذا الربط ينمي حس الانفتاح على الثقافات الأخرى دون الذوبان فيها، ويؤسس لفهم نقدي يحمي من الوقوع في الاستلاب أو التعصب.

في التربية والتعليم: أين نحن؟

المناهج الدراسية في كثير من البلدان العربية ما زالت تعاني من الانفصال بين الجوانب النظرية والتطبيقية، وغالبًا ما تدرس الثقافة كمادة هامشية أو ثانوية. في حين أن المطلوب هو دمج المفاهيم الثقافية في محتوى الدراسات الاجتماعية بشكل حي وتفاعلي، يشرك الطالب في استكشاف مجتمعه بدلًا من الاكتفاء بتلقي المعلومات. من خلال دراسات ميدانية، وزيارات ثقافية، وتحليل وسائل الإعلام، يمكن للطالب أن يكتشف التنوع الثقافي داخل وطنه وخارجه، وأن يدرك قيمة التعدد والاختلاف.

التكامل بين التعليم والهوية الثقافية

إن تعزيز العلاقة بين الدراسات الاجتماعية والثقافة لا يتحقق فقط عبر المفاهيم النظرية، بل يتطلب إدماج عناصر الهوية الثقافية في العملية التعليمية نفسها. يشمل تضمين القصص التاريخية، والتقاليد المحلية، والتحولات الاجتماعية التي مرت بها المجتمعات العربية، ضمن محتوى المناهج والأنشطة المدرسية. عندما يتعلم الطالب عن مجتمعه من خلال أدوات البحث والتحليل الاجتماعي، فإنه لا يكتسب معلومات فقط، بل ينمي حس الانتماء ويدرك موقعه ضمن نسيج ثقافي وتاريخي أوسع. من شأنه أن ينتج جيلًا قادرًا على فهم ذاته وتاريخه، وعلى مواجهة تحديات الحاضر بثقة ووعي.

في زمن تتعاظم فيه التحديات المرتبطة بالهوية، وتتشابك فيه الأزمات القيمية والانقسامات الثقافية، تزداد الحاجة إلى تفعيل الدور التربوي للدراسات الاجتماعية وربطها بالثقافة. فهذا الربط لا يصنع فقط طالبًا مثقفًا، بل مواطنًا واعيًا قادرًا على فهم ذاته، والتفاعل مع مجتمعه، والمساهمة في تطويره. من هنا، فإن أي مشروع نهضوي لا يمكن أن ينجح دون إعادة الاعتبار للثقافة باعتبارها مكونًا حيًّا من مكونات الدراسات الاجتماعية، وأساسًا في بناء المجتمعات العصرية.

شاهد أيضاً

نائب الرئيس حسين الشيخ يفتتح أعمال جلسة مجلس أمناء مؤسسة ياسر عرفات

نائب الرئيس حسين الشيخ يفتتح أعمال جلسة مجلس أمناء مؤسسة ياسر عرفات

شفا – افتتح نائب رئيس دولة فلسطين، السيد حسين الشيخ (أبو جهاد)، أعمال جلسة مجلس …