10:12 مساءً / 26 ديسمبر، 2025
آخر الاخبار

الإعلام الرقمي ، أداة فعالة لصياغة الفكر والوعي الاجتماعي ، بقلم : د. سارة محمد الشماس

الإعلام الرقمي ، أداة فعالة لصياغة الفكر والوعي الاجتماعي ، بقلم : د. سارة محمد الشماس


في عصر يتسم بتسارع التطورات التكنولوجية وانتشار مصادر المعلومات بشكل غير مسبوق، أصبح الإعلام الرقمي عنصرًا أساسيًا في حياة الأفراد والمجتمعات، مؤثرًا مباشرة على طريقة تعلمهم وفهمهم للعالم. لم يعد الإعلام الرقمي مجرد وسيلة لنقل المعلومات، بل أصبح أداة فعالة لصياغة الفكر والوعي الاجتماعي لدى المتعلمين، يشكل في الوقت نفسه تحديًا وفرصة للمعلمين لتطوير أساليبهم التعليمية بما يتوافق مع متطلبات العصر الحديث.

تشمل أدوات الإعلام الرقمي منصات التواصل الاجتماعي، المدونات، الفيديوهات التعليمية، والمنصات التفاعلية، التي توفر للطلبة والمعلمين وسائل مبتكرة وسريعة للوصول إلى المعرفة. هذا التنوع يسهم في توسيع مدارك المتعلمين ويحفزهم على التفكير النقدي والتحليل العميق. ومن منظور الدراسات الاجتماعية، يتيح استخدام هذه الأدوات فهم الظواهر الاجتماعية والثقافية والسياسية بشكل شامل وربط المعلومات المكتسبة بالتجارب الواقعية في المجتمع، ما يعزز قدرتهم على تقييم الأحداث وربطها بالواقع الاجتماعي.

تلعب الدراسات الاجتماعية دورًا محوريًا في بناء الوعي المجتمعي للمتعلمين، والإعلام الرقمي يعد وسيلة قوية لتحقيق هذا الهدف. فمن خلال متابعة الأخبار والأحداث المحلية والدولية، يمكن للمتعلمين الاطلاع على السياسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المختلفة وفهم تأثيرها على حياتهم اليومية. هذا التفاعل المعلوماتي يعزز لديهم القدرة على التفكير النقدي وربط المعلومات بالسياق الاجتماعي، ما يشكل أساس التعليم الاجتماعي الفعال.

يتيح الإعلام الرقمي أيضًا فرصًا للتعلم التفاعلي والمشاركة المجتمعية، وهما محوريان في الدراسات الاجتماعية. من خلال المشاريع الرقمية والتطبيقات التعليمية، يمكن للمتعلمين إنتاج محتوى معرفي حول قضايا مجتمعية مثل الحفاظ على التراث الثقافي، حماية البيئة، وتعزيز المواطنة الرقمية والقيم الإنسانية. على سبيل المثال، يمكن للمتعلمين إعداد تقارير رقمية عن التراث المحلي أو تنظيم حملات توعية عبر المنصات الرقمية حول موضوعات بيئية واجتماعية، مما يعزز شعورهم بالمسؤولية تجاه المجتمع ويجعلهم مواطنين فاعلين.

تجارب المدارس والجامعات الرقمية أظهرت أن دمج الإعلام الرقمي في التعليم الاجتماعي يسهم في رفع مستوى التحصيل العلمي والوعي المجتمعي. على سبيل المثال أتاح استخدام منصات تفاعلية لإجراء مشاريع جماعية حول المواطنة الرقمية للمتعلمين تحليل تأثير سلوكياتهم الرقمية على المجتمع وتصميم مبادرات توعوية، ما عزز لديهم فهمًا عمليًا للقيم الاجتماعية مثل التعاون والمساواة والعدالة.

رغم هذه الفوائد، يواجه الإعلام الرقمي تحديات قد تؤثر على جودة التعليم والوعي التربوي، أبرزها انتشار المعلومات غير الدقيقة أو المضللة، والتي قد تؤدي إلى تشويه المفاهيم الاجتماعية والقيمية لدى المتعلمين. هنا يظهر الدور الحيوي للمعلم والخطط التربوية المنظمة في توظيف الإعلام الرقمي بشكل مدروس. يجب تمكين المتعلمين من مهارات التحقق من المعلومات وفهم السياق الاجتماعي لكل قضية، واستخدام المعرفة المكتسبة بشكل مسؤول. يمكن تحقيق ذلك من خلال دمج وحدات تدريبية حول البحث الرقمي، تقييم المصادر، والتحليل النقدي للمحتوى ضمن البرامج التعليمية.

يلعب المعلم دورًا محوريًا، فهو ليس ناقلًا للمعلومة فحسب، بل مرشد يستخدم الإعلام الرقمي لتعزيز التعلم الذاتي وتحفيز التفكير النقدي وربط المحتوى الرقمي بالقضايا الاجتماعية والثقافية والتاريخية. كما يمكن للمعلم تصميم أنشطة مبتكرة مثل المحاكاة الرقمية، والمناقشات الجماعية عبر المنصات التفاعلية، والتعلم القائم على المشاريع، مما يعزز قدرة المتعلمين على التعامل مع المعلومات بشكل منهجي.

كما يسهم الإعلام الرقمي في تعزيز التقييم المستمر للتعلم، إذ توفر الأدوات الرقمية إمكانية متابعة استجابات المتعلمين وتحليل مستوى فهمهم. ومن خلالها يمكن للمتعلمين التعبير عن آرائهم حول القضايا الاجتماعية، مما يعزز شعورهم بالمواطنة الفاعلة والانتماء المجتمعي، ويشجعهم على العمل الجماعي والتفاعل البناء مع الآخرين، ما ينعكس إيجابياً على مهارات التواصل والتعاون لديهم.

إضافة إلى ذلكو يمثل الإعلام الرقمي أداة مهمة لتعزيز التعليم القيمي والأخلاقي، وهو جانب رئيسي في الدراسات الاجتماعية. فالمتعلمين يتعلمون من خلال المحتوى الرقمي قيم التسامح والعدالة والمساواة، ويلاحظون تأثير السلوكيات الفردية والجماعية، ما يدفعهم لتبني سلوكيات إيجابية وتنمية وعيهم المجتمعي. متابعة المبادرات الرقمية التي تهدف لخدمة المجتمع أو حماية التراث الثقافي تلهم المتعلمين لتبني ممارسات مشابهة، ويجعلهم أكثر وعيًا بأهمية دورهم في المجتمع.

يوفر الإعلام الرقمي فرصًا لتعزيز البحث العلمي والمشاريع المجتمعية، إذ يتيح الوصول إلى مصادر معلوماتية رقمية عالمية، ما يسهم في تنمية ثقافة البحث والاستقصاء لدى المتعلمين. هذا التفاعل يعزز قدرتهم على التفكير المستقل وصياغة آرائهم الخاصة وربط المعرفة النظرية بالتطبيق العملي. كما يفتح الإعلام الرقمي آفاقًا للتواصل بين الثقافات المختلفة، حيث يمكن للمتعلمين الاطلاع على تجارب مجتمعات أخرى، ومقارنة سلوكياتها الاجتماعية، والتعلم من نجاحاتها وإخفاقاتها، ما يعزز فهمهم للعالم ويشجعهم على تبني مواقف مسؤولة وإيجابية تجاه قضايا المجتمع والبيئة.

يمثل الإعلام الرقمي أداة أساسية لتعزيز الوعي التربوي والاجتماعي إذا ما تم توظيفه بشكل مدروس ومتكامل مع الدراسات الاجتماعية. فهو يمكن المتعلمين من الوصول إلى المعرفة بطرق مبتكرة، يعزز التفكير النقدي، يدعم المشاركة المجتمعية، يسهم في صقل شخصية المتعلم وتنمية مهاراته القيادية والاجتماعية. الاستثمار في الإعلام الرقمي ليس خيارًا، بل ضرورة لمواكبة العصر وإعداد جيل واعٍ بمسؤولياته تجاه مجتمعه وعالمه، قادر على مواجهة تحديات المستقبل بكفاءة ووعي.

  • – د. سارة محمد الشماس – باحثة وكاتبة في التراث والعلوم التربوية

شاهد أيضاً

مواجهات مع الاحتلال في ارطاس جنوب بيت لحم

شفا – اندلعت مواجهات بين المواطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الجمعة، في قرية ارطاس …