
طوفان الأقصى ، كيف تصدَّعتْ السردية الإسرائيلية في الوعي العالمي ، بقلم : مصطفى عبدالملك الصميدي
مقدمة
ربما كان هناك الكثير من المحاولات لإعادة صياغة النظام العالمي الجديد أحادي الجانب، وصاحب الروايات الديمقراطية الكاذبة، لكن جاء طوفان الأقصى ليكون بذلك المستهل في تمهيد الطريق نحو ملامح عالمية جديدة. في لحظاتٍ لم تتجاوز ساعات، اجتاح العالم مشهد طوفان الأقصى، مشهد لم يكن بالإمكان تجاهله أو تحويره. صور وفيديوهات صادمة من قلب الحدث أعادت تشكيل الوعي العالمي حول الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لتكشف عن حقيقة طالما حاولتْ وسائل الإعلام الرسمية الإسرائيلية والغربية طمسها أو إعادة صياغتها. لقد تحوّل هذا الطوفان إلى لحظة فاصلة، كسرت فيها رواية الاحتلال التقليدية، وأثبتت قوة الإعلام البديل ووسائل التواصل الاجتماعي في نقل الحقيقة مباشرة إلى الناس حول العالم أجمع.
السردية الإسرائيلية التقليدية
لطالما اعتمدتْ إسرائيل على البروباجندا العالمية لتشكيل سردية رسمية للصراع، قائمة على مفاهيم الأمن، ومكافحة الإرهاب، والحق القانوني، وإرساء الديمقراطية لعصر نهضوي جديد. خلال سنوات طويلة، قدم الإعلام الإسرائيلي والصحافة الدولية دائماً صورة مختزلة عن الفلسطينيين، وصوّر الأحداث على أنها نزاع متبادل، متجاهلين الانتهاكات اليومية وواقع الاحتلال. هذه السردية حاولت تسويق الاحتلال كحقيقة مقبولة دولياً، بدعم غربي أمريكي، وجعلتْ الصورة الواقعية لفلسطين تبدو ثانوية أو هامشية بل وأكثر من أن تكون كذلك.
الطوفان الإعلامي الجديد
لكن مع تصاعد الأحداث في غزة، خرجت الحقائق مباشرة من قلب الحدث. صور ومقاطع فيديو حية انتشرت بسرعة على منصات التواصل الاجتماعي، تظهر الواقع كما هو: قصف مكثف، عمليات عسكرية واسعة النطاق خلَّفتْ دماراً إنسانياً ومعمارياً غير مسبوق، بارجات وأساطيل أمريكية في البحر، إبادة جماعية، اعتقالات الأطباء والكوادر في غزة والضفة الغربية، اعتداءات مقيتة، تعذيب السجناء مقابل صمود فلسطيني مذهل. لم تعد الرواية الرسمية هي المسيطرة، بل أصبح بإمكان أي شخص حول العالم أن يشاهد المشهد مباشرة، دون وساطة أو تحوير. هذا الطوفان الإعلامي الجديد أثبت قدرة وسائل التواصل، ودهاء المقاومة على تقديم سرد مضاد وواقعي، يواجه الدعاية الرسمية ويصل إلى الجمهور العالمي بفعالية غير مسبوقة.
كيف تصدَّعت السردية الإسرائيلية الأمريكية
لقد تصدعت هذه المواد الإعلامية السردية الإسرائيلية الأمريكية على عدة مستويات، بداية من كشف التناقضات وإظهار الحقائق على الأرض بما يتعارض مع الرواية الرسمية عن النزاع المتبادل. كذلك تغيير الرأي العام من خلال ما تفاعلت به وسائل الإعلام العالمية مع المشاهد المنتشرة، إذ شرعت باتخاذ مواقف أكثر حساسية وإنصافاً تجاه الفلسطينيين، مما ساهم في تكوين رأي عام دولي مؤيد للحق الفلسطيني. وما نتج عن ذلك من تضامن عالمي، حيث انتشرت بيانات وشجب من شخصيات عامة وحقوقيين وصحفيين، بالإضافة إلى احتجاجات طلابية في جامعات عالمية مرموقة، وفعاليات دعم للفلسطينيين في مختلف دول العالم، مما أضعف الرواية الإسرائيلية الأمريكية أحادية الجانب.
الأثر المستقبلي
طوفان الأقصى مَثَّلَ قبل كل شيء بداية تحول في مواجهة السردية الإسرائيلية الأمريكية. لقد أظهرت هذه اللحظة قوة الإعلام الجماهيري في كشف الحقائق وتشكيل وعي عالمي جديد. كما أن استمرار توثيق الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ونقلها عبر المنصات الرقمية عزّز قدرة الجمهور العالمي على التمييز بين الرواية الرسمية والدقيقة. لذلك المستقبل سيكون أكثر صعوبة على الرواية الإسرائيلية الأمريكية، ما لم تعترف الحقائق الميدانية وتتحمل وسائل الإعلام مسؤوليتها.
التأثير الواقعي والتحول في السردية
لقد تجسد التأثير الحقيقي لطوفان الأقصى في نقل المعركة من مجرد مواجهة عسكرية إلى معركة واضحة على السردية الإعلامية الإسرائيلية ومؤيديها. فمن خلال انتشار صور وفيديوهات قوية على منصات التواصل، إلى نشر وثائق رسمية تحدد الرواية الفلسطينية وتفسيرها للأحداث، شهد العالم تحولا في كيفية فهم الصراع. لم تعد الرواية الإسرائيلية التي تعتمد على مفهوم الأمن والدفاع فقط هي المسيطرة، بل أصبحت الحقائق المباشرة التي خرجت من قلب الحدث مادةً إعلامية أسهمت في تشكيل رأي عام عالمي يرى أن ما يحدث مرتبطاً بقضية احتلال طويلة الأمد. هذا التحول عزّز من قدرة الفلسطينيين على تقديم سردية قائمة على الحقوق والمصداقية، وقلّص من التأثير التقليدي للإعلام الرسمي الإسرائيلي والغربي.
ولم يقتصر التأثير على الجمهور العربي أو الإسلامي فقط، بل وصل إلى الأوساط الغربية الشابة، التي تبنَّتْ وجهات نظر نقدية تجاه السياسات الإسرائيلية الأمريكية، وظهر ذلك في مظاهرات واسعة وتغطيات إعلامية دولية جديدة تتعامل مع القضية الفلسطينية من منظور حقوقي وإنساني وأخلاقي.
خاتمة
طوفان الأقصى لم يكن مجرد لحظة من لحظات المقاومة لاحتلال مقيت، بل قوة إعلامية عابرة، وتحولاً نوعياً في نقل الحقيقة وفضح الممارسات الاحتلالية. لقد أثبتت الصور والفيديوهات أن الجمهور العالمي قادر على رؤية ما يحدث مباشرة، بعيداً عن التحريف والتلاعب الإعلامي. وما يزال تأثير هذا الطوفان مستمراً في تشكيل وعي الناس، ليعيد رسم السردية الفلسطينية ويؤكد أن الحقيقة أقوى من أي بروباجندا.
- – مصطفى عبدالملك الصميدي – اليمن
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .