4:58 مساءً / 31 يوليو، 2025
آخر الاخبار

القدس ، العشقُ الذي لا يليقُ إلا بها ، بقلم: رانية مرجية

القدس: العشقُ الذي لا يليقُ إلا بها ، بقلم: رانية مرجية

في قصيدته “قُدسُ الأرواحِ ومهدُ الحنين”، يُهدي الشاعر الدكتور عادل جودة نصاً وجدانيًا فريدًا، مشبعًا بالجمال الشعري والعمق النفسي والفلسفي، حيث تتحوّل القدس من جغرافيا محتلة إلى كينونة صوفية، و”نقطة الضوء الأخيرة في عتمة الخذلان”، في وجه عالم يُمعن في قسوته ونسيانه.

القدس ككائن نفسي وروحي:

منذ المطلع:

يا قُدسُ..يا وَجَعَ الزّمانِ وسِرَّهُ
يا نَبضَ أرواحٍ تُصلّي في الدُّجى
نُدرك أننا لا نقف أمام خطاب سياسي تقليدي، بل أمام أُغنية كونية حزينة، تخاطب قدسًا تتحول إلى كيانٍ حَيّ نابض، تشكّل بؤرةً للسرّ، ووجعًا أزليًا يتجاوز الزمان والمكان. القدس هنا ليست مكانًا جغرافيًا، بل أصل الحنين ومنتهاه، مرآة لما في داخلنا من اشتياقٍ إلى الحقيقة، إلى العدالة، إلى الجذور.

العشق والأنين والبطولة:

يُكرّس الشاعر العشق المقدّس بوصفه هوية خاصة لا تليق إلا بالقدس:

أخبروكِ أن العِشقَ لا يليقُ
إلّا بحُسنِكِ
بجُرحِكِ
بِأنّينِ مآذنِكِ العتيقةِ
العشق هنا ليس لحظة عاطفية، بل هو فعل مقاومة، فعل تماهي مع الجرح، واعتراف بالألم كمعيار للجمال. فالجمال في القدس ليس ناعمًا، بل مجبولٌ بأنين الشهداء، وصوت المآذن، وحجارة تتذكر أسماء من عبروا نحو الخلود.

البعد السياسي في لبوس وجداني:

يأتي المقطع:

يا نُقطةَ الضوءِ الأخيرةِ
في عُتمةِ الخُذلان
ليُظهر كيف تتحوّل القصيدة من خطاب حالم إلى صرخة يقظة. فالخذلان هنا ليس فقط سياسيًا، بل خذلانًا كونيًا، إنسانيًا، وأخلاقيًا. ومع ذلك، يظلّ للقدس وهجٌ روحي خاص، أشبه بـ”النبوة الأخيرة” في عالم أصابه العمى.

القصيدة تعترف بالقهر:

مهما اقتسموكِ خناجرًا
وسِهامًا
وظِلالَ موتٍ باردٍ
لكنه اعتراف لا يخضع، بل يُقاوِم، متسلّحًا بالحُب، والذاكرة، والصورة الأولى:
كما رأيناكِ أوّلَ مرّة
نَخلةً في مَهبّ الحنين
وعَروسَ الأرضِ
النخلة ليست مصادفة رمزية، بل تشير إلى الصمود، الجذر، المباركة. و”عروس الأرض” تؤنّث الوطن، وتستدعي المشهد الطقسي، حيث تُستحمّ القدس بدم الأنبياء، وترتدي مجد السماء، وكأنها تقيم طقسًا وجوديًا أبديًا يعيد الخلق في مواجهة الخراب.

جماليات اللغة والصورة:

لغة الدكتور عادل جودة في هذه القصيدة لا تستجدي العاطفة، بل تحفر في النفس، فتُزاوج بين الطهر الدموي والتجلّي السماوي. القصيدة تحقن الجرح بالجمال، وتقدّم القدس ليس بوصفها مسرحًا للصراع فحسب، بل كقُبلة للروح، ومحراب للأمل، ومحرقة للفقد.

الصور الشعرية تنبض بالحياة:
• “بأنين مآذنِك العتيقة” – استعارة تحوّل الصوت إلى وجعٍ موروث.
• “ترتدي مجدَ السماء” – تجلٍّ رمزي يُحوّل المدينة إلى معراج كوني.
• “حنين الأطفال إلى الدروب المستباحة” – استدعاء طفولي بريء في وجه الانتهاك، عميق في دلالته النفسية.

البعد النفسي والفلسفي:

القصيدة في جوهرها دعوة للتشبّث بالأصل، بالمطلق، في عالمٍ نسبيّ متحوّل. وهي تحمل بين سطورها إحساسًا بـالخذلان الجمعي الذي تعانيه القضية الفلسطينية، لكنها لا تُغرق في المظلومية، بل تُحوّلها إلى مِنصّة وجدانية تُحرّض على المقاومة الروحية.
من منظور التحليل النفسي، فهذه القصيدة تعبّر عن الذات الجمعية الفلسطينية والعربية الباحثة عن خلاص، عن حضنٍ أبديّ، عن هويةٍ راسخة في مدينة تُجلد كل يوم لكنها لا تموت. أما فلسفيًا، فهي تأملٌ في ماهية العشق، وفي العلاقة بين الإنسان والمقدس، بين الجرح والمعنى، بين الأرض والسماء.
✍️ خلاصة:
قصيدة “قُدسُ الأرواحِ ومهدُ الحنين” ليست مجرّد قصيدة في حبّ القدس، بل تراتيل وجودية تُعيد تعريف العشق والخذلان والمقاومة. هي مرآة لمأساة لا تُروى إلا بلغة الجمال. هي بيان وجداني يصلح أن يُعلّق على أبواب المدارس، وفي صدر الجوامع والكنائس، وعلى الجدران التي لم تطمسها بعد ألوانُ الاحتلال.

في زمنٍ كثرت فيه القصائد وقلّ فيها الصدق، تأتي قصيدة الدكتور عادل جودة لتثبت أن الكتابة عن القدس ليست حنينًا عابرًا، بل ضربٌ من النبوة

شاهد أيضاً

البرتغال تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر

البرتغال تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر

شفا – أعلنت الحكومة البرتغالية، الخميس، عزمها الاعتراف بدولة فلسطين رسميًا خلال اجتماع الجمعية العامة …