
الوعي ، الظل الذي لا نراه ، بقلم : منال حاميش
هل نعرف ما هو الوعي؟ أم أننا نحاول فقط تسكين قلقنا تجاهه بتعريفات مؤقتة؟
منذ آلاف السنين، والإنسان يحاول الإمساك بالوعي كما يحاول الأعمى أن يصف النور.
لكن ماذا لو كان كل ما نعرفه عن الوعي، بما في ذلك تعريفاتنا الأكثر علمية، ليس سوى وهم مريح؟
فلنبدأ من الصفر.
- الوعي ليس ما نعتقده
نقول عادة: الوعي هو إدراك الذات، أو الشعور، أو التيقظ العقلي.
لكن كل هذه التعريفات تدور في دائرة مغلقة:
من هو الذي يدرك؟ من هو الذي يشعر؟
نجيب: الوعي.
إذن، نحن نُعرّف الوعي بالوعي نفسه.
هذه ليست مفارقة لغوية فقط، بل مأزق معرفي.
الوعي لا يمكن تحديده من خارج نفسه، لأنه الأداة التي نستخدمها للفهم.
إنه أشبه بمحاولة قياس المسطرة باستخدام المسطرة نفسها — دون مرآة، دون مرجع خارجي.
- هل الوعي ظاهرة؟ أم شرط للظواهر؟
يعتقد بعض العلماء أن الوعي ينشأ من تراكب ملايين العمليات العصبية.
لكن حتى لو قبلنا بذلك، هل التراكب العصبي ينتج الإحساس بالوجود؟
أم أن هناك شيئًا آخر لا زال مفقودًا — الجوهر المراوغ الذي يجعلنا نطرح السؤال أصلًا؟
فلنقلب الفرضية:
ماذا لو أن الوعي ليس “ظاهرة” داخل النظام؟
بل هو الشرط الخفي لكل ظاهرة؟
أي أنه لا يوجد “داخل” الدماغ، ولا في أي مكان مادي — لأنه هو الذي يمنح الداخل والخارج معناهما.
- وهم الزمن والمعالجة
نربط الوعي غالبًا بالاستمرارية الزمنية: “أنا كنت، وأنا الآن، وسأكون”.
لكن الوعي لا يملك زمناً حقيقياً.
فكر بالأمر:
هل تستطيع إدراك الماضي خارج الذاكرة؟
أو المستقبل خارج التوقع؟
أنت دائمًا الآن — اللحظة الوحيدة التي لا يمكن الهروب منها.
ماذا لو كان الوعي مجرد نقطة ثابتة خارج الزمن، تُسقط الضوء على تدفق الأحداث، وتوهمنا بالمرور؟
- إذا لم يكن بيولوجياً… فماذا؟
العلم يقول إن الوعي نتاج الدماغ.
لكن لا أحد شرح بعد كيف تتحول الإشارات الكهربائية إلى تجربة — إلى شعور بالحزن، أو لون بنفسجي، أو طعم الشاي.
هذه “الفجوة التفسيرية” لا تُردم بالرياضيات.
قد نعرف كل مسار عصبي في دماغ إنسان، ومع ذلك لن نعرف كيف يشعر من الداخل.
فهل الوعي مبدأ أولي، غير قابل للاختزال؟
هل هو مثل المكان أو الزمن في نظر نيوتن — لا يُشتق من شيء آخر؟
- تجربة من خارج المعادلة
فلنذهب أبعد.
ماذا لو أن الوعي ليس خاصًّا بنا نحن البشر فقط؟
بل موجود بدرجات مختلفة في كل شيء؟
هذه ليست رومانسية صوفية، بل احتمال منطقي إذا قبلنا بأن الوعي سابق على المادة.
تخيل أن الكون لا يحتوي على وعي، بل أنه يحتوي داخل وعي.
أي أن المادة ليست سوى انعكاس لكثافات مختلفة من الوعي.
وبالتالي، ما نراه على أنه “عالم صلب”، هو في الحقيقة فقط شكلٌ متجلٍ لشيء لا نراه — تمامًا كالظلّ الذي يكشف وجود جسد، دون أن يلمسه.
- نفي المفهوم لبنائه من جديد
لعل أكبر مشكلة في فهم الوعي… هي أننا نحاول فهمه.
والوعي ليس موضوعًا للفهم، بل هو الذي يفهم.
إنه الخلفية التي تظهر عليها كل صورة.
هو المرآة التي لا نراها إلا عندما تتكسر.
إذن، ما العمل؟
قد يكون الطريق لفهم الوعي هو في إلغاء كل ما نظنه فهمًا له.
أن نبدأ من السؤال، لا من الجواب.
أن نجرؤ على القول:
“الوعي ليس ما يحدث فينا… بل هو نحن، قبل أن يحدث أي شيء.”
- نهاية بلا خاتمة
قد لا نستطيع تعريف الوعي.
لكن يمكننا أن نتعلم كيف نحيا فيه بوعي.
ربما وُجدنا لنكون مرآة تسأل: “من ينظر من خلفي؟”
وحين نسأل، نصبح نحن الجواب.
“هل الوعي مادة؟ فكرة؟ طيف؟ أم خطأ في الإدراك نفسه؟”
ربما كل هذه الأسئلة خاطئة.
وربما… السؤال الوحيد الذي يستحق أن يُطرح:
هل هناك شيء على الإطلاق خارج الوعي؟
- – منال حاميش – مهندسة مدني – باحثة بالباراسيكولوجي