
الإصلاح في المؤسسة الفلسطينية “غايَة أم وَسِيلَة” بقلم : د. علاء سليمان الديك
قبل الحديث عن أهمية ودافع كتابة هذا المقال، لا بد من توضيح معنى وماهية الإصلاح السياسي، والذي يعني تحسين وضع أو تعديل ما هو خطأ، أو فاسد، وما إلى ذلك. وتبرز أهمية هذا الإصلاح لمعالجة بعض المشاكل والأخطاء الجادة دون المساس بأساسيات النظام، وبالتالي السعي لتحسين النظام السياسي القائم والتحقق من أداء القائمين عليه بما يتلائم مع أسس الحوكمة والحكم الرشيد.
وبالنظر للحالة الفلسطينية، فقد لوحظ أن هنالك جهود فلسطينية بذلت وتبذل لعمل إصلاحات جذرية داخل المؤسسة الفلسطينية. فإذا كانت تلك الإصلاحات غايَة فهذا جيد، وعكس ذلك تعتبر وَسِيلَة لتحقيق أمر أخر. لذلك من الطبيعي أن يتم قياس وتقييم فاعلية هذه الإصلاحات من خلال مدى معالجة بعض الأخطاء والمشاكل التي تمس حياة المواطنين وحقوقهم وكرامتهم، والتحقق من أداء القائمين على المؤسسة في القيام بواجباتهم تجاه المواطنين، وبالتالي تجسيد الحوكمة وتعزيز مبادئ المساءلة والشفافية والمحاسبة داخل المؤسسة، وهذا يعتبر أحد أهم ملامح الإصلاح المنشود.
لذلك جاءت أهمية ودافع كتابة هذا المقال لتحمل المسؤولية الإجتماعية والسياسية تجاه أبناءنا من خلال تناول قضاياهم دون إنقطاع إحتراماً لحقوق وكرامة الناس، وتكريماً وتخليدا لمن رحلوا عنا، وكذلك لتقييم فاعلية أداء المؤسسة والقائمين عليها في مؤسسات الدولة لتعزيز وتجسيد حكم القانون على الجميع دون إستثناء. خمسة سنوات وعدالة قضية الأخوين عمار وضياء الديك رحمهما الله غائبة، ومازالت تنظر في محكمة بداية رام الله منذ مايو 2021 دون الدخول في أساس القضية، وبالتالي لم يتم البت في ملف القضية منذ أربعة سنوات ليومنا هذا.
فمنذ الحادثة في الرابع عشر من حزيران 2020 لم تكترث المؤسسة الرسمية بإجراء تحقيق مهني ومستقل للتحقق مما حدث ومحاسبة المقصرين في إنقاذ الأخوين الديك. علماً أن قامت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في رام الله بإجراء تحقيق مهني مستقل، وأصدرت في نوفمبر 2020 تقرير تقصي حقائق عن الحادثة، والذي جاء فيه أن جهاز الدفاع المدني الفلسطيني يتحمل مسؤولية وفاة الأخوين الديك نتيجة الإخفاق والإهمال المؤسسي في الإنقاذ، وأوصت الجهات الرسمية في محافظة سلفيت بإعادة النظر بنتائج تقرير اللجنة الرسمية الذي حمل الضحية مسؤولية ما حدث بسبب عدم الأخذ بإجراءات السلامة، والتركيز على مجريات الإنقاذ وإستقاء العبر والدروس من الحادثة وما رافقها من خلل في عمل وأداء طاقم الدفاع المدني، وعدم توفر الأدوات والتدريب والبروتكولات في عملية الإنقاذ. وكذلك ضرورة أن يقوم جهاز الدفاع المدني بإجراء تحقيق داخلي وبيان الخروقات التي حدثت في عملية الإخفاق والإهمال لإنقاذ الأخوين الديك. وأضاف تقرير الهيئة أن لجنة التحقيق الرسمية التي شكلها محافظ سلفيت السابق لم تكن مهنية ومستقلة، حيث لم تشمل عضو من العائلة أو من جهات الإختصاص أو ممثل عن أحد المؤسسات الأهلية أو الحقوقية، وإنما مدراء وقادة الأجهزة الأمنية في المحافظة. وتجدر الإشارة أنه وبتاريخ 4/11/2021 أصدر مكتب النائب العام/ رام الله، قراراً بحفظ ملف الأخوين الديك لعدم وجود أي فعل يعاقب عليه القانون.
بناءاً على تلك التطورات التي رافقت الحادثة وما نتج عنها من خلل وقصور في أداء المؤسسة الرسمية تجاه ملف الأخوين الديك، توجهت العائلة لمكتب رئيس الوزراء الفلسطيني السابق، وألتقت بمعظم المسؤولين في رام الله، لإطلاعهم على نتائج وتوصيات تقرير تقصي الحقائق الصادر عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بالحادثة، وكذلك على الخروقات والتقصير في أداء المؤسسة الرسمية في محافظة سلفيت تجاه ملف الأخوبن الديك، والإساءة المنظمة للأخوين ولذويهما أبان الحادثة بهدف إنقاذ المقصرين وطمس حقيقة ما جرى أمام الرأي العام. وبكل أسف لم تكترث المؤسسات الرسمية العليا كافة بملف الأخوين الديك، أو بنتائج وتوصيات تقرير تقصي الحقائق الصادر عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، ولم يرد أي توضيح أو تفسير من طرفهم ليومنا هذا. علماً أنهم قطعوا عهداً للعائلة بزيارتهم والوقوف عند مسؤولياتهم تجاه المقصرين في الحادثة وما رافقها من أحداث، وللأسف لم يحدث ذلك. فالمواطن مهمش وهو الضحية لأنه يطالب بالحق والعدل وفق القانون، خمسة سنوات وعدالة قضية الأخوين الديك رحمهما الله في سبات، لماذا ومن المستفيد!
إن الشعب الفلسطيني مازال يناضل من أجل التحرر الوطني والبناء الديمقراطي لمؤسسات الدولة، فمسيرة الشعب الفلسطيني عنوانها الوفاء والإنتماء بهدف تحقيق حقوقه المشروعة، حقه في الحياة، والأمن والأمان، والمواطنة والمساواة، والعدالة والكرامة. فالأجدر أن نكون نحن السباقون في الحفاظ والتمسك بتلك المبادئ والقيم قبل غيرنا، لأنها إرتبطت بمسيرة وطنية ونضالية محترمة، قدم خلالها الشعب الفلسطيني أغلى ما يملك وهو الإنسان. وهنا نتساءل كعائلة: أين نحن من فاعلية هذه القيم النبيلة تجاه قضية الأخوين عمار وضياء الديك رحمهما الله؟ فهل من مجيب!
ومن خلال تتبع الأحداث والأخبار نرى أن القيادة السياسية في رام الله تتباهى أمام كل المحافل الإقليمية والدولية بإنجازات المؤسسة في تحقيق تقدم في قضايا الإصلاح والإنفتاح والحوكمة وسيادة القانون، وما إلى ذلك، ولكن السؤال المطروح لأصحاب السيادة والدولة والمعالي: هل حقوق المواطنة الفلسطينية سقطت بالتقادم عن الأخوين الديك وذويهما في نظركم؟ بحيث لم يعد بالإمكان الإهتمام أو الإكتراث لما حدث، وكأن شيئاً لم يحصل. وهذا يذكرني بما قيل لنا كعائلة من أحد كبار المسؤولين: “نحن في مرحلة بناء وتحدث أخطاء، وهذه من ضمن الأخطاء، فالنصبر وهذا قدرهم”.
فعندما يصبح هناك تقصير وإهمال واضح في إنقاذ أرواح الناس من قبل مؤسسات الدولة المكلفة بإنقاذهم، وتتم الإساءة لمواطن من قبل مسؤول على رأس عمله دون دليل بهدف إنقاذ المقصرين وطمس الحقيقية والإلتفاف عليها، وعندما تقوم المؤسسة الأمنية المكلفة بحماية أمن وحياة المواطن، بتحميل المواطن مسؤولية ما حدث لإرضاء ومجاملة المسؤول، عندئذ فإن ذلك يتطلب الوقوف الجدي أمام تلك التصرفات ومعالجتها بحزم دون مجاملة لأحد، وغير ذلك يعد إنتهاك صارخ لمبادئ الإصلاح والحوكمة وتطبيق القانون في عمل وأداء المؤسسة. لذلك من الضروري أن يكون هنالك مراجعة ومساءلة وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة جدية للوقوف على الحقائق من جديد، إحتراماً لمن رحلوا وتقديراً لذويهما، وكذلك إحتراماً للمؤسسة ومعايير الإصلاح وسيادة المؤسسة والقانون، عندئذ نعتبر ذلك إصلاحاً فعالاً يصون حياة وأمن الناس وحقوقهم وكرامتهم وفق الأصول.
في المحصلة، إن عملية الإصلاح المنشودة في المؤسسة عندما يتعلق الأمر بقضية الأخوين الديك، تعتبر “وَسِيلَة” وليست “غايَة”، بهدف تحقيق مكاسب فئوية أو وظيفية على حساب المواطن، فإصلاح المؤسسة الحقيقي يتطلب تحقيق “الحوكمة” من خلال التحقق من أداء القائمين على العمل، وذلك عبر فاعلية ديوان الرقابة وهيئات المساءلة لكل المؤسسات الرسمية في محافظة سلفيت ذات العلاقة بحادثة الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك رحمهما الله.
7/6/2025
- – د. علاء سليمان الديك – شقيق الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك رحمهما الله .