4:15 مساءً / 2 يونيو، 2025
آخر الاخبار

نحن الشرارة التي أضاءت العالم ، بقلم : علاء عاشور

علاء عاشور

نحن الشرارة التي أضاءت العالم ، بقلم : علاء عاشور

انتهيتُ لتوي من قراءة “حضارة العرب” لجوستاف لوبون، ولم أُغلق الصفحة الأخيرة حتى شعرت كأن زهرةً في صدري قد تفتّحت، تشرّبت من رحيق المعرفة، وتمايلت على إيقاع الفخر والدهشة. يا له من مجد! ويا لها من حضارةٍ كانت – يومًا – للعالمين آية.

كم أنا فخورٌ بأني عربي، رغم أن العروبة باتت في هذا الزمان ذكرى يتيمة، تتسكع في الهامش، كقصيدةٍ منسية بين دفاتر الأمم. ولكن، هل تموت العروبة فعلاً؟ أم أنها تنام نومَ الأسد الجريح، تُداوي جراحها بذكريات المآذن التي كانت تعانق السماء، والمختبرات التي كانت تسبق زمانها، والمكتبات التي كانت تجري فيها أنهار الفكر كما تجري دجلة والفرات؟

كنا هناك، في قلب التاريخ.


كنّا حين كان العالم يتلمّس طريقه في الظلام، نحمل له المشاعل.


في بغداد، في قرطبة، في دمشق، كنا نكتب ونترجم ونخترع، حين كانت أوروبا تعيش في كهوف القرون الوسطى، تأكل الخرافة وتشرب من نهر الجهل.

لكننا غرقنا…
في أوهام السلطة، في صراعات الخلافة، في غياهب الثروة التي أفسدت الروح، وخدّرت العقل، وأغلقت باب الاجتهاد.

ثم جاء السؤال… سؤالٌ كالسهم في خاصرة التاريخ:
هل نحن من كان سببًا في الثورة الصناعية؟
هل نحن من رسم للبشرية طريق الآلة والاختراع؟
أم كنا مجرد صفحة طويت، لم تعرف قطّ نكهة البخار ولا هدير المصانع؟

الحقيقة أن الثورة الصناعية، التي أضاءت أوروبا، لم تكن لتشتعل لولا أن العرب كانوا الشرارة. نعم، لم نكن المحرّك، لكننا زوّدنا الحضارة بالزيت الأول، وسقينا شجرة العلم بماء الحكمة، وترجمنا، وفسّرنا، وابتكرنا، وفتحنا أبواب المنهج العقلي، الذي به تشيّد الحضارات.

لكننا لم نحمل المشعل إلى النهاية. تراجعنا. وبقي الغرب يركض، ونحن نلتفت إلى الخلف نبحث عن أنفسنا بين أطلال القصور ومساجد صارت متاحف.

واليوم، ها هو الغرب قد وصل القمر، وفتح أبواب الذكاء الاصطناعي، ونسج من العلم معجزات.
وأما نحن، فما زلنا نحاول أن نُقنع أنفسنا بأننا الأفضل، لا لأننا ننتج، بل لأننا كنا كذلك قبل ألف عام!

لكن…
رغم كل شيء، ما زلت أؤمن.
ما زلت أرى في رمادنا جمرًا يتوهّج.
ما زلت أسمع في عروقنا نبض الخوارزمي وابن الهيثم وابن رشد.

لعل الغد أفضل…
لعل زهرة الحضارة التي تفتّحت في صدري وأنا أقرأ، ستزهر يومًا في أرضنا من جديد.
حين نؤمن أن العروبة ليست سلالة، بل مشروع نهضة،
وحين نقرر أن نكون من جديد:
مشعلًا… لا ذكرى.

شاهد أيضاً

رمزي رباح يلتقي رئيس الوزراء الفلسطيني لبحث التصعيد الاستيطاني في الضفة

رمزي رباح يلتقي رئيس الوزراء الفلسطيني لبحث التصعيد الاستيطاني في الضفة

شفا – التقى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وعضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير …