8:49 مساءً / 1 يونيو، 2025
آخر الاخبار

في محاولة استكشاف اّثار وسبل مواجهة الابادة السيكولوجية (Psychological Genocide) ، بقلم : د. غسان عبدالله

في محاولة استكشاف اّثار وسبل مواجهة الابادة السيكولوجية (Psychological Genocide) ، بقلم : د. غسان عبدالله

في محاولة استكشاف اّثار وسبل مواجهة الابادة السيكولوجية (Psychological Genocide) ، بقلم : د. غسان عبدالله


يرى المتتبع لوسائل الاعلام، بكافة أنواعها، كثرة تكرار مصطلح الابادة التي تعرضت لها البشرية، ولا زالت حتى يومنا، سواء في فلسطين أو في المعمورة قاطبة .


للأسف، وكالعادة ، يتم التركيز عند استعمال مصطلح الابادة هذا ( genocide)، والذي هو مصطلح جديد نسبيا ، بالنسبة لتاريخ البشرية، يتم التركيز على الجانب الفسيولوجي التطرق الى ملامح الابادة السيكولوجية، كما سنبيّن لاحقا، وما يتبعهما من ابادة ثقافية.


الابادة هي عملية ( process) مخطط لها و أهدافها جليّة لتشمل الحجر والبشر وما أنتجه من ثقافة وحضارة . لا تنحصر اّثار مثل هذا النمط من الابادة فقط على الضحية (The Victim )، بل ويمتد أيضا الى الفاعل( (The victimizer مع فارق في مدى منسوب وأعراض هذه التأثيرات، اذ تغلب السمة السلوكية على الضحية الى الشعور بمشاعر الاحباط واليأس وفقدان مصادر الدعم والاسناد، في حين يميل الفاعل الى اللجوء الى سلوكيات غريبة الشأن كالتلذذ بقتل وتعذيب الاّخر( مبررا ذلك بهرطقات دينية وحكايات أسطورية)،فمثلا قد يلجأ الى محاولة الانتحار أو اعادة تكرار الفعل – الابادة – على ضحية أخرى حتى لو كانت الضحية الجديدة من ذوي القربى.


قامت الأمم المتحدة عام 1994اعلان عالمي تحت مسمى حقوق الشعوب ألاصلية ورد فيها مصطلحات الابادة الجماعية العرقية و الثقافية فقط.
لغويا : مصطلح ابادة يعني فتك وافناء جماعة عرقية، بدليل استخدام كلمة مبيد زراعي لاستئصال الأعشاب غير المرغوب فيها بدافع الحفاظ فقط على نوع واحد من النبات،( هنا نكون قد خالفنا أحد القيم الدينية والأخلاقية ألا وهي التعددية، كي يس تتخذ الابادة الجماعية، وفق ما ورد في اعلان سان خوسيه التابع لليونسكو، أنماطا وأشكالا عدة،
تاريخيا: تم استعمال مصطلح الابادة بعد ما تم ضد المواطنين الأصلانيين في أمريكا، تبعها الاضطهاد العرقي ضد الأفارقة ممن تم استجلابهم كعبيد الى أمريكا ( للمزيد راجع : دراسة مقارنة بين اضطهاد الأفارقة في أمريكا والفلسطينيين عبر الأجيال،Baron, Fonvil & Abdalla- مجلةBlack Psychology ، كانون ثاني 2024 وما حصل في عهد ألمانيا النازية من مجازر ضد اليهود(الهولوكوست ( خلال الحرب العالمية الثانية .ولكثرة توالي المجازر أصبح يتردد المصطلح بكثرة(المجزرة ضد الأرمن،المجزرة بين قبيلتين في برواندا،1994 ، المجزرة ضد المسلمين في البوسنة،( جميعها بهدف تدمير جماعات قومية أو دينية عنصرية، الى ما يجري من مجاز متواصلة ضد الانسانية في منطقتنا الجغرافية.


الأمر الذي دفعني للكتابة حول الابادة السيكولوجية التي تتعرض لها كل الفئات المجتمعية( غالبيتهم الأطفال، ألشباب والنساء)، ليس فقط من أجل تبيان المخاطر السيكولوجية المترتبة على ذلك، بل وكي يكون لي الشرف أن أكون أحد المختصين، في العمل لارساء توجه هام وجاد نظريا ومهنيا في هذا المجال.


واقعيا ، تتخذ الابادة أشكالا عدة، منها على سبيل المثال لا الحصر:


الابادة التربوية التعليمية والتي تتمثل في منع جماعة عرقية من استخدام لغتها أو مناهحها التعليمية، كشكل من أشكال الاضطهاد العرقي وذلك كمقدمة أولية نحو الابادة الكاملة بعد أن يتم زرع بذور اليأس والقنوط وبالتالي الاستسلام وتقبل ما يريده المضطهد (The oppressor – The victimizer العمل على سيطرة وهيمنة عرق واحد، في الحيز المكاني المستهدف).حصل مثل هذا حين احتلت ألمانيا النازية بولندا، حيث أقدمت على منع استخدام اللغة والمناهج البولندية في المدارس البولندية، غالبيتنا قرأنا عن قصة مدام كوري في الصف حين دخل عليها المفتش التربوي الألماني، وهناك أمثلة حيّة كثيرة وقائمة يصعب عليّ ذكرها وتحديدها لأسباب خارجة عن ارادتي الشخصيّة.
أما الشكل الثاني فهو ما سمحت لذاتي بنعته بالابادة السيكولوجية ( Psychological Genocide) وهو محور هذه المقالة، اذ نعتمد هنا الأسس السيكولوجية وراء اّليات وأهداف التنفيذ والتأثيرات المستدامة المطلوبة المترتبة على مثل هذا النمط من الابادة .


قد يلجأ الممارسون لهذا النمط من الابادة السيكولوجية، الى أساليب شتى منها القتل والترحيل,هدم أماكن السكن، النزوح والايواء، مصادرة الممتلكات الشخصيّة والاعتقال ، وقد يبرّر الفاعل حتى حرق الاحياء العزّل، كل ذلك في سبيل تحقيق الأهداف التي وضعها نصب عيناه، دون الاكتراث بالانعكاسات النفسيّة لهذه الممارسات التي تنتشر وتتمدد كما في حالة بعض النباتت السّامة، كالحنظل- الحنظلان والدفلى والكاوتشوك، ليمتد تأثيرها السلبي الى حدود الفاعل المضطهد0 بكسر الهاء.


: ما أتطلع الى تمهيدّ الطريق واثارة حوافز المهنين المختصين للغوص في والتركيز على نمط الابادة السيكولوجية وتأثيراتها السيكولوجية المستدامة ومدى خطورتها ومساهمتها في طمس والغاء الهوية الثقافية ( cultural & Identity Erasure ) واذلال واستغلال – احتكار الانسانية ( dehumanization and Psychological Manipulation)، ولتكن البداية في بلورة رؤى أكاديمية من وحي التجربة الفلسطينية، في هذا المجال(Academic Discourse on Genocide Definitions) مع ضرورة اقتراح اليات من شأنها العمل على مواجهة اّثار كل أنماط الابادة وبالأخص السيكولوجية منها، لما لها من تأثيرات وانعكاسات سلبية خاصة عل ألأطفال و اليافعين والنساء، كونها تصاحبهم كلما انتقلوا من طور بلوغي/ دور اجتماعي الى اّخر،مما قد يدفعهم الى البدء في البحث عن حلول ومخارج،ي تم حسمها وفق قوة جهاز المناعة السيكولوجية ومستوى الوعي بأهداف ما يجري، فمثلا:


⦁ الميل الى العدوانية متفاوتة الدرجات والأشكال
⦁ التفكير بالانتحار
⦁ التفكير بالهجرة الطوعية تجنبا للمزيد من أشكال الابادة( وهذا ما حصل لدى غالبية الشباب المسيحيين في مجتمعنا، بحثا عن فرص بناء مستقبل أفضل، مما أدّى الى الانخفاض السريع في عدد المواطنين المسيحيين في المجتمع الفلسطيني، الأمر الذي أثّر سلبا على تشكيلة فسيفساء المجتمع الفلسطيني.
⦁ الاذعان والقبول بالتبعية من قبل البعض.
⦁ احداث صدمات واضطرابات نفسية (PTSD ) لدى هذه الفئات المجتمعية، منها ما يظهر ومنها ما يبقى ضامرا في داخل الفرد وهو الأشد خطورة.

الابادة السيكولوجية دوافعها واّليات مواجهتها :


يجدر دوام التذكير،بأن جميع أنواع الابادات هدفها النهائي هو سياسي توسعي واحداث التبعية والالحاق القسري، ولها انعكاسات سلبية ليس فقط على الضحية بل والفاعل لتلك الابادات ( وما حالة اسرائيل اليوم الا خير مثال، حيث أخذ اقتصادها يتراجع وبشكل ملحوظ ناهيك عن بدء اتساع رقعة عزلها دوليا وتكرار دعوة العديد من الدول الأوروبية الى مراجعة اتفاقيتها المبرّمة مع اسرائل، والتي بدورها قادت وستقود الى المزيد من التفكك الاجتماعي ناهيك عن نتائجها السيكولوجية التي بدأت بالتنامي والانتشاروسط المجتمع الاسرائيلي.


أما عن الدوافع،للخلفية الدينية والثقافية العنصرية دور هام في التحريض على ارتكاب مثل هذا النمط من أنماط الابادة السيكولوجيةذات التأثير السلبي في الاتجاهين، كما أشرت أعلاه . هنا أسمح لنفسي اقتباس ما تناقلته وسائل اعلام اسرائيلية عن وزير الحرب الاسرائيلي السابق حين قال” أخطأ يائير غولان عندما قال( دولة عاقلة لا تدير حربا ضد المدنيين، لا تقتل أطفالا كهواية ولا تضع نصب أعينها هدف تهجير السكان”


بالتأكيد هذا ليس هواية،بل أيديولوجيا مسيانية،قومية وفاشية مدعومة بفتاوي حاخامات كقولهم( لا يوجد أبرياء في غزة )( امح نسل عماليق وغيرها)- راجع تصريحي يعلون (رئيس حزب الديمقراطين الاسرائيلي المعارض ويائير غولان للاذاعة العامة التابعة لهيئة البث العبرية يوم الثلاثاء 20/5/2025-، ومقالات مثل نظرية الحسم لسموتريش في مجلة هشيلواح 2017 ، وتصريحات سياسين” غزة ستكون خالية من العرب وسنستوطنها باليهود” ويواصل بوغي القول ” أليس هذا تطهيرا عرقيا؟ سنجوعهم” ” ليست هواية،بل سياسة حكومية هدفها الأساس التمسك بالسلطة وهي تقودنا الى الخراب ” وغيرها الكثير من الادعاءات والهرطقات الفكرية .


ثمة دافع اّخر له علاقة بمسألة الديموغرافيا، اذ يخشى الكثير من المسؤولين الاسرائلين من احتمال زيادة عدد المواطنين العرب بين النهرين وتفوقهم عل عدد السكان اليهود!!!


ولن تفوتنا حالة المنافسة الشديدة بين الحركات والأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة والتي أحد ركائزها الأساسية ليس فقط تشويه الطرف الاّخر ومصادرة حقوقه الانسانية وممتلكاته العينية والمادية، بل وأيضا التحريض والدعوة الى ابادته( انظر منشورات حركة كهانا و الراب كوك، غوش أمونيم، فتيان التلال….). الأمر الأخطر في هذا الوضع هو تغلغل مثل هذه التوجهات الى فكر صانعي القرار السياسي وواضعي التشريعات.كلنا يستذكر حملات تعديل القوانين والأوامر العسكرية المتتالية لتخدم توجهات كل تحالف جكومي، وذلك بناء على رؤى والبرامج الانتخابية للكتل التي تشكلت منها الحكومات المتعاقبة.


وفي الختام لنا أن نحذّر من أنه قد تلجأ الجهة الفاعلة، ومن باب تخفيف حدة الانتقاد الموجه لها، بسبب ممارسة كل أشكال الابادة، الى البحث عن تكتيكات علنية الهدف ( تشكيل مؤسسات اعانة ، اعادة تأهيل ودعم ، المساعدة في تسهيل الهجرة الطوعية، أو الايعاز لبعض القوى الحليفة للقيام بذلك، مع الابتعاد عن دعمها بل وقد تقوم بمحاولة اظهارها كجهات غير المرغوبة )، الأمر الذي يتطلب اعداد حطط مواجهة مهنية وعملية حتى لا نصل الى التسليم بالقول ” سبق السيف العذل”

شاهد أيضاً

الأديبة وفاء داري تُمثّل فلسطين في الملتقى العلمي الدولي الأول حول الطفل والميديا الرقمية بجامعة باتنة 1 – الجزائر

الأديبة وفاء داري تُمثّل فلسطين في الملتقى العلمي الدولي الأول حول الطفل والميديا الرقمية بجامعة باتنة 1 – الجزائر

شفا – خاص – شاركت الكاتبة والباحثة الفلسطينية د. وفاء داري متحدثة رئيسية في الملتقى …