
بعد ٨٠ عاماً من رفع العلم السوفيتي فوق برلين النازية ، أنتصار بثمن لا يزال يُدفع، بقلم : مروان أميل طوباسي
في مثل هذا اليوم ٣٠ نيسان من عام ١٩٤٥ ، دخلت طلائع من وحدات الجيش الأحمر السوفيتي العاصمة الألمانية برلين ، وتمكّن الجنود من رفع العلم السوفيتي فوق مبنى الرايخستاغ فيها ، في لحظة تاريخية خالدة جسدت انهيار النظام النازي وأقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية المدمرة في أوروبا التي سيحُتفل في ذكراها ال ٨٠ بالثامن من أيار الجاري . لقد أصبح هذا المشهد رمزاً عالمياً لأنتصار شعوب أوروبا وحركات المقاومة فيها وبالمقدمة منها شعوب الأتحاد السوفيتي وتضحياتها الهائلة في وجه الفاشية .
وفي هذا السياق، قال الكاتب الأمريكي الشهير إرنست همنغواي ومؤلف رواية الشيخ والبحر ، “كل من يحب الحرية ، مدين بدَين لا يُسدد للجيش الأحمر .”
لم تكن هذه مجرد مجاملة أدبية ، بل شهادة صادقة من رجل عايش الحرب، على الدور التاريخي للجيش الأحمر السوفيتي في دحر النازية والفاشية آنذاك . ففي الحرب العالمية الثانية، خاض السوفييت معارك دموية على الجبهة الشرقية وصولا الى برلين ، وقدموا تضحيات جسيمة تجاوزت ٢٠ مليون من الضحايا ، في سبيل صد الغزو النازي . وقد شكّلت معارك مثل ستالينغراد وليننغراد وكورسك نقطة التحول في مسار الحرب ، وكان لها دور حاسم في إنقاذ أوروبا والعالم من وحش الفاشية .
وبعد انتهاء الحرب الباردة وأنهيار الأتحاد السوفيتي ، عبّر أحد وزراء الدفاع الروس ، في ما يشبه خلاصة مريرة بقوله ، “ان روسيا لا تزال تدفع حتى اليوم ثمن أنتصارها على النازية.”
في إشارة إلى السياسات الغربية الإستعمارية ، لا سيما الأمريكية منها ، التي سعت منذ نهاية الحرب الثانية إلى محاصرة الأتحاد السوفيتي ، ثم روسيا لاحقاً ، عبر العقوبات وتوسيع حلف الناتو وتطويق المجال الأستراتيجي الروسي .
وقد أعاد كبار المسؤولين الروس تأكيد هذا المعنى في السنوات الأخيرة . ففي ديسمبر من العام الماضي ، صرح الجنرال فاليري غيراسيموف ، رئيس هيئة الأركان العامة الروسية ، “أن هناك محاولات متزايدة من بعض الدول الغربية لتشويه التاريخ وإنكار دور الجيش الأحمر في هزيمة النازية ، مؤكداً أن روسيا لن تسمح بسرقة وبتزوير تلك التضحيات.”
وفي السياق ذاته ، قال الرئيس فلاديمير بوتين قبل خمس سنوات في مناسبة ذكرى النصر على النازية ، “إن “العالم مدين للأتحاد السوفيتي لدوره الحاسم في دحر النازية وإنقاذ ملايين البشر ، ومن العار محاولة إنكار هذه الحقيقة أو تقزيمها .”
مقولة همنغواي ومواقف غيراسيموف وبوتين ، تشكّل خيطاً متصلاً بين التاريخ والواقع ، فبينما قد تُنسى التضحيات أو تُشوه ، تبقى آثارها حية في الجغرافيا السياسية ، حيث لا تزال روسيا تسدد سياسياً واقتصادياً كلفة أنتصارها القديم على الفاشية ، التي بدأت تطل برأسها من جديد في هذا العالم لتهدد السلم والأمن الدوليين وذلك مع صعود قوى اليمين المتطرف الذي يتمثل بأضلاع مثلث واشنطن ، تل أبيب وبروكسل التي تسعى لمعاداة حقوق معذبوا الارض ومنهم شعبنا الفلسطيني الذي يتعرض لمحرقة القرن ٢١ بتحالف من هؤلاء .