3:02 مساءً / 17 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

العملات التالفة في غزة تكشف قسوة الحصار ، بقلم : آمنة الدبش

العملات التالفة في غزة تكشف قسوة الحصار ، بقلم : آمنة الدبش

في قطاع غزة المحاصر منذ سنوات لا تتوقف أشكال المعاناة اليومية التي يواجهها المواطنون حيث يواجه الغزيون أزمة متجددة مع تداول العملات الورقية والمعدنية التالفة والممزقة والباهتة بفعل طول الاستخدام وانعدام إمكانية استبدالها بسهولة ويؤثر ذلك بشكل مباشر على التعاملات اليومية في الأسواق والمحال التجارية وغالباً ما يرفض البائعون والتجار استلام هذه العملات خوفاً من الخسارة بينما يجد المواطن نفسه في موقف محرج يحمل أمواله لكنه غير قادر على إنفاقها بشكل طبيعي ويضطر لمحاولة إقناع البائع بقبول ما بيده من نقود ، الأمر الذي أصبح عبئاً إضافياً يثقل كاهل المواطن والتاجر على حد سواء.

▪︎ أزمة الفكة


مشكلة “الفكة” في غزة تحول أبسط المعاملات اليومية إلى معركة مستمرة بسبب نقص العملات المعدنية والفئات الصغيرة من النقود فئة الـ20 شيكل الأكثر تضرراً كما اختفت عملة الـ10 شواكل المعدنية من السوق بعد رفض التجار التعامل بها مما يضطر المواطن أحياناً شراء كميات أكبر من احتياجاته للحصول على “فكة” أو يجد نفسه غير قادر على إتمام معاملاته اليومية ، هذه الأزمة تزيد من معاناته الاقتصادية والمعيشية وتعكس بشكل حقيقي الصعوبات التي يفرضها الحصار.

▪︎ أزمة السيولة النقدية


منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر 2023م تفاقمت أزمة السيولة النقدية بشكل حاد لتصبح واحدة من أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه المواطنين في القطاع ، الأزمة لم تؤثر فقط على القدرة الشرائية بل هددت أيضا استقرار النظام المالي والاقتصادي بشكل شبه كامل.


ويرجع ذلك نتيجة تدمير البنية التحتية المصرفية ومنع إدخال السيولة النقدية واستنزاف السيولة من قبل بعض التجار ، مما أدى إلى ارتفاع عمولات السحب النقدي إلى مستويات قياسية وصلت أحياناً إلى نحو 50% الأمر الذي جعل الحصول على النقود أمراً مكلفاً للغاية للمواطنين


وأفاد برنامج الأغذية العالمي بأن غالبية العائلات في غزة تعاني من انعدام الأمن الغذائي ويزيد نقص السيولة من صعوبة شراء المواد الغذائية الأساسية.


تتطلب هذه الأزمة إلى استجابة عاجلة من الجهات المحلية والدولية لتخفيف معاناة السكان وضمان استمرار النشاط الاقتصادي ، وتعزيز المعاملات الرقمية والعمل على إعادة استقرار البنية التحتية المصرفية في القطاع.

▪︎ غياب البنوك والبدائل


بسبب القيود المشددة على القطاع المالي في غزة لا يتوفر نظام فعال لاستبدال العملات التالفة كما هو الحال في معظم دول العالم فالبنوك محدودة الإمكانيات والبدائل الرسمية شبه غائبة ما يترك المواطنين فريسة للاستغلال من قبل بعض الصرافين الذين يقتطعون نسبة من قيمة العملة مقابل استبدالها ، هذا الواقع الصادم يزيد من معاناة المواطنين المادية.

▪︎ الأزمة النفسية والاجتماعية


يتجاوز تأثير العملات التالفة الجانب المالي ليصل إلى البعد النفسي والاجتماعي يشعر المواطن بالإحباط واليأس عند رفض نقوده مما يزيد من التوتر والضغط النفسي في ظل الظروف المعيشية الصعبة. كما تتأثر العلاقات الاجتماعية والتعاملات اليومية إذ يصبح من الصعب تنفيذ المعاملات الروتينية مثل شراء مستلزمات الاسر وغيرها من مقومات الحياة.


فالحرب لا تقتل الأجساد فحسب بل تُمعن في قتل الأرواح بصمتٍ أشد فتكًا من القذائف والصواريخ وتجريد الإنسان من إنسانيته وتفكيك المجتمع وضربه في جوهره الإنساني والاجتماعي والاقتصادي.

▪︎السيادة النقدية والقيود المفروضة


الاحتلال الإسرائيلي يتحكم في إدخال العملة الإسرائيلية والفئات النقدية الأخرى إلى قطاع غزة وبالتالي أي نقص في العملات الجديدة أو سحب العملات التالفة يعكس تقييداً سياسياً مباشراً، هذا التحكم يضعف قدرة البنوك الفلسطينية على إدارة النقد ويجعلها تعتمد على العملات القديمة أو التالفة ما يضعف النظام المالي المحلي ويقلل استقلاليته.
فيما تعترف سلطة النقد الفلسطينية بصعوبة معالجة المشكلة في ظل الظروف الراهنة مشيرة إلى أنها تجري اتصالات عبر قنوات دولية لإيجاد حلول عملية إلى جانب تشجيع البدائل الرقمية لتخفيف الاعتماد على النقد الورقي.

▪︎ ترميم العملات التالفة


لجأ المواطنون والتجار إلى ابتكار وسائل يصفونها بـ”الترميمية” لإبقاء النقد في دائرة الاستخدام في ظل غياب آلية رسمية لاستبداله أو إدخال عملات جديدة وتتمثل أبرز وسائل الترميم في استخدام الأشرطة اللاصقة الشفافة لإعادة لصق الأوراق النقدية الممزقة وتنظيف أو صقل العملات المعدنية لإظهار معالمها مجدداً إضافة إلى اعتماد التجار على الوزن أو التقدير عند تداول الفئات الصغيرة التي فقدت ملامحها.


وفي ظل غياب الحلول الجذرية يبقى “ترميم العملات” شاهداً يومياً على أزمة اقتصادية متفاقمة تثقل كاهل الغزيين وتفرض عليهم أن يتداولوا أموالاً لم تعد صالحة للاستعمال.

▪︎ محكمة العملات


في أسواق غزة لم تعد عملية البيع والشراء عادية بل أشبه بجلسة “تحقيق مالي” البائعون يمسكون الأوراق النقدية وكأنها تحت جهاز أشعة يقلبونها يرفعونها في الضوء يتفحصون أطرافها بعين خبير ثم يصدر الحكم مقبولة أو مرفوضة..!
ورقة نقدية مخزوقة تُعاد لصاحبها بابتسامة ساخرة وأخرى ملزقة تُرمى جانباً وكأنها مريضة ميؤوس منها بينما المقصوصة تُتهم بعدم الأهلية للتداول والنتيجة..؟


توتر بين المواطن والبائع ومشهد ساخر يُلخص أزمة النقد التالف التي حولت الأسواق إلى محاكم عملات مفتوحة حيث تُدان الورقة النقدية قبل المواطن وتُرفض السلعة قبل النقود.

في نهاية المطاف تكشف أزمة العملات التالفة في غزة عن أحد الوجوه الصارخة للحصار وأثره المباشر على تفاصيل الحياة اليومية فالنقد الذي يفترض أن يكون أداة لتيسير التبادل تُحول الى صرخة قهر مكتومة بصدور المواطنين
وإن تجاوز هذه الأزمة يستدعي تدخلاً رسمياً عاجلاً يضمن إدخال عملات جديدة ويعيد للنظام المالي جزءاً من استقراره وإعادة الروح إلى الحياة اليومية التي يسعى أهل غزة للحفاظ عليها رغم كل القيود.

  • – آمنة الدبش – صحفية وناشطة نسوية – غزة – فلسطين

شاهد أيضاً

سفير جمهورية جنوب أفريقيا لدى دولة فلسطين، شون بينيفيلدت

فارسين شاهين تبحث مع سفير جنوب أفريقيا ووزيرة خارجية فنلندا التطورات والمستجدات الراهنة

شفا – بحثت وزيرة الخارجية والمغتربين، فارسين شاهين، اليوم الأربعاء، مع سفير جمهورية جنوب أفريقيا …