
“الحرم الإبراهيمي الشريف : رمز الثبات الإسلامي وراية الهوية الفلسطينية” ، بقلم : د. منى أبو حمدية
يقف الحرم الإبراهيمي الشريف في قلب مدينة الخليل شامخًا، شاهداً على عبق التاريخ وعمق الروحانية الإسلامية، وجدارًا صامدًا أمام محاولات النسيان والتغيير القسري. إنه ليس مجرد بناءٍ حجري، بل هو مرآة التاريخ الفلسطيني وصرحٌ حضاري يعكس عراقة الأمة وروحها الدينية. ومن هنا، تأتي محاولات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة للسيطرة على سقف الحرم أو فرض أي شكل من أشكال التغيير العمراني والسياسي، محاولةً صريحة لطمس هويته، وفرض وقائع تهويدية جديدة تخالف كل الأعراف والقوانين الدولية، وتستهدف قلب التراث الإسلامي في فلسطين.
لقد شكل الحرم الإبراهيمي منذ نشأته رمزًا للوحدة الدينية والاجتماعية، ومكانًا مقدسًا يربط بين الفلسطينيين وماضيهم العريق، ويؤكد استمرار ارتباطهم بالأرض والهوية. محاولة الاستيلاء على سقفه لم تكن مجرد مسألة هندسية أو سيطرة على مساحة مادية، بل كانت رسالة واضحة مفادها محاولة طمس ذاكرة شعب كامل، وإلغاء رمزية المكان الدينية، والتحكم في معالمه التاريخية لصالح أجندة الاحتلال. وهذه المحاولات تكشف عمق الاستهداف المنهجي للهوية الفلسطينية والإسلامية في الأماكن المقدسة.
التاريخ يشهد أن الحرم الإبراهيمي ظل على مدى القرون جزءًا من الموروث الديني والثقافي للفلسطينيين، وأن الوقف الإسلامي على كامل مساحة الحرم كان وسيلة فعالة للحفاظ على هويته ومقدساته، رغم كل أشكال التهديد والاستهداف. فالحرم لم يكن فقط مكانًا للصلاة، بل كان واحة للعلم والدين، وفضاءً للتلاقي الروحي والاجتماعي، وصرحًا يربط بين الماضي العريق والحاضر الصامد، ويمنح الفلسطينيين شعورًا بالثبات والتمسك بحقهم في السيادة على مقدساتهم.
إن الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال لن تغير حقيقة عروبته وإسلاميته، ولن تمحو الارتباط الروحي والتاريخي الذي يجمع الفلسطينيين بالحرم. فالحرم الإبراهيمي، برغم كل محاولات التهويد، سيظل دائمًا وقفًا إسلاميًا خالصًا، وجزءًا لا يتجزأ من الهوية الفلسطينية، ورايةً للثبات على الأرض والحق، ورمزًا للصمود أمام كل محاولات الطمس والسرقة الثقافية.
لقد أثبت التاريخ أن كل الانتهاكات، منذ مجزرة 1994 وما تبعها من تقسيم زماني ومكاني، لم تستطع أن تنزع هوية الحرم أو تفصل الفلسطينيين عنه. فالمكان الذي سالت فيه دماء الشهداء، وارتفعت فيه الصلوات قرونًا طويلة، لن يتحول إلى معلم مُسيطر عليه بقوة السلاح.
إن هذا الصرح المبارك يذكّرنا بأن التاريخ لا يُمحى، وأن الإرادة الشعبية أقوى من كل المؤامرات. فالحرم الإبراهيمي الشريف سيبقى دائمًا عنوانًا للهوية الإسلامية الفلسطينية، وحصنًا للذاكرة الدينية والثقافية، وجدارًا صامدًا أمام محاولات الاحتلال للسيطرة عليه. فهو ليس ملكًا لمكانٍ أو زمانٍ محدد، بل هو ملك الروح الفلسطينية التي لا تنكسر، وراية الحق التي ستظل ترفرف عاليًا في قلب الخليل، رمزًا للثبات، والتاريخ، والعروبة، والإسلام.
- – د. منى أبو حمدية – باحثة في التراث والآثار
