8:07 مساءً / 18 ديسمبر، 2025
آخر الاخبار

العين ، واحة التاريخ التي تُتوَّج عاصمةً للسياحة العربية 2026 ، بقلم : المهندس غسان جابر

العين… واحة التاريخ التي تُتوَّج عاصمةً للسياحة العربية 2026 ، بقلم : المهندس غسان جابر

حين أُعلن عن اختيار مدينة العين عاصمةً للسياحة العربية لعام 2026، لم يكن الخبر مفاجئًا لمن يعرف هذه المدينة عن قرب. فالعين ليست وجهة طارئة على خارطة السياحة، بل حكاية مكان صاغها التاريخ، وباركتها الجغرافيا، ورعاها الإنسان منذ آلاف السنين، لتغدو اليوم واحةً نابضة بالحياة ووجهةً عربيةً بامتياز.

هذا التتويج العربي، الذي جاء بعد نجاح العين كعاصمةٍ للسياحة لدول مجلس التعاون الخليجي لعام 2025، يجعلها أول مدينة تحصد اللقبين لعامين متتاليين، ويؤكد أن ما بُني بهدوء وثبات هو الأقدر على البقاء والتأثير.

لماذا العين؟ حين تتكلم الجغرافيا بلغة التاريخ

تقع العين في شرق إمارة أبوظبي، لكنها تقف جغرافيًا خارج الصورة النمطية لمدن الصحراء. هنا، لا تبدأ الحكاية من الإسفلت، بل من الواحة، ولا يُختَم المشهد بناطحات السحاب، بل بـ جبل حفيت، ذلك الجبل الذي يطل على المدينة كذاكرة حجرية صامتة، تحرس تاريخًا يعود إلى آلاف السنين.

جبل حفيت ليس مجرد معلم طبيعي، بل شاهد على أقدم أشكال الاستقرار البشري في المنطقة، حيث تنتشر المدافن الأثرية عند سفوحه، فيما يقف اليوم كوجهة سياحية تجمع بين الطبيعة والمغامرة والتأمل، مقدّمًا مشهدًا بانوراميًا فريدًا يختصر علاقة العين بالأرض.

وعلى الضفة الأخرى من المشهد، تمتد واحة العين، القلب الأخضر للمدينة، وأحد مواقع التراث العالمي المسجّلة لدى اليونسكو. في هذه الواحة، تتجسد عبقرية الإنسان القديم في التكيّف مع الطبيعة، عبر نظام الأفلاج الذي وفّر المياه، وصنع الزراعة، وأرسى أسس الاستقرار، لتتحول الواحة إلى رمزٍ للحياة في قلب الصحراء.

العين… مدينة سكنها الإنسان قبل أن تُسمّى مدينة

تشير الاكتشافات الأثرية إلى أن الإنسان استوطن العين منذ أكثر من سبعة آلاف عام، ما يجعلها من أقدم المناطق المأهولة في شبه الجزيرة العربية. لم تكن العين محطة عابرة، بل مركزًا زراعيًا وتجاريًا، وملتقى طرق، وملاذًا للقبائل، وهو ما يفسّر ثراءها الثقافي وتنوّعها الاجتماعي حتى اليوم.

هذا العمق التاريخي لا يُعرض في متاحف صامتة فقط، بل يُعاش في المكان: في القلاع، وفي البيوت الطينية، وفي الحصون التي تحولت إلى معالم ثقافية مثل قلعة الجاهلي وقصر المويجعي، حيث تلتقي السلطة بالتاريخ، والذاكرة بالهوية.

الشيخ زايد… حين تولد الدولة من الواحة

لا يمكن كتابة سيرة العين دون الوقوف عند اسم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. فقد كانت العين مسقط رأسه، ومصدر إلهامه، ونقطة انطلاق رؤيته التنموية.

في هذه الواحة، تشكّلت فلسفة الشيخ زايد التي آمنت بأن:

الإنسان هو الثروة الحقيقية.

التنمية لا تنجح إن لم تحترم الطبيعة.

التراث ليس ماضيًا يُحفظ، بل هوية تُبنى عليها الدولة.

ومن العين، امتدت هذه الرؤية لتصنع دولة الإمارات الحديثة، دون أن تقطع جذورها مع الأرض، وهو ما نلمسه اليوم في التوازن الفريد الذي تعيشه المدينة بين الحداثة والأصالة.

عاصمة السياحة العربية 2026… سياحة بمعنى أعمق

اختيار العين عاصمةً للسياحة العربية لعام 2026 هو تتويج لنموذج سياحي مختلف، يقوم على:

السياحة الثقافية والتراثية المرتبطة بالهوية.

السياحة الطبيعية التي تحتفي بالجبل والواحة.

السياحة العائلية والتعليمية الهادئة والآمنة.

بنية تحتية حديثة، وتحول رقمي، وسهولة وصول لأصحاب الهمم.

وستقود دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي برنامجًا متكاملًا يمتد طوال عام 2026، يتضمن مهرجانات ثقافية، وفعاليات تراثية، ومعارض فنية، ومبادرات مجتمعية، تعيد تقديم العين للعالم العربي بوصفها مدينة تعرف كيف تحافظ على روحها وهي تتقدم.

العين… حين تصبح السياحة حكاية

في زمن السياحة السريعة، تقدم العين تجربة مختلفة. هنا، لا يمر الزائر مرورًا عابرًا، بل يدخل في حوار مع المكان:
يصعد جبل حفيت فيرى التاريخ من الأعلى، ويمشي في واحة العين فيسمع همس الماء بين النخيل، ويزور قلاعها فيدرك أن هذه المدينة لم تُبنَ على عجل، بل نمت بصبر.

نقول: حين تُتوَّج العين عاصمةً للسياحة العربية 2026، فإنها لا تحتفل بلقب، بل تؤكد رسالة:


أن المدن التي تحفظ ذاكرتها، وتحترم طبيعتها، وتستثمر في إنسانها، هي وحدها القادرة على أن تكون وجهة للمستقبل.

العين ليست مدينة تُزار…
بل واحة تُعاش.

م. غسان جابر – العين 18/12/2025

شاهد أيضاً

جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني – إقليم لبنان إنجاز طبي نوعي في مستشفى الشهيد محمود الهمشري في صيدا

جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني – إقليم لبنان إنجاز طبي نوعي في مستشفى الشهيد محمود الهمشري في صيدا

شفا – د. وسيم وني ، أعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني – إقليم لبنان عن …