
سيكولوجية الجماهير ، بقلم : المستشار الدكتورة آمنة الريسي
عندما نتكلم عن سيكولوجية الجماهير فنحن بالتالي نتكلم عن (علم النفس الاجتماعي) في المقام الأول. فإذا حاولنا التركيز على سلوك الفرد داخل الجماعة سنجده مختلف عن الخصائص الفردية التي يتميز بها الأفراد بشكل حي وملموس كواقع وحقيقة.
إذ يميل هذا الفرد للعيش في الخيال عندما يكون جزء من مجموعة، فتتكون لديه سلوكيات جديدة مختلفة عن خصائصه الفردية وبعيدة كل البعد عنها. فالنظريات البدائية كانت تنظر إلى سلوك الجماعة باعتبارها صور غير عقلانية، تتحكم فيها الغرائز والانفعالات في المقام الأول.
ومن هنا فإن مبادئ السلوكيات رفضت المفهوم الميتافيزيقي للعقل الجمعي الذي طرحة المفكرون السابقون. فقد أفترض “تيرنر” عام ١٩٩٥ أن سلوك الفرد داخل المجموعة ما هو إلا استجابة لمثيرات اجتماعية مختلفة، ولكنها تظهر كسلوك مميز، في حين أن ذات السلوك لو صدر من فرد منفردا ووحيدا غير متأثر بسياق الجماعة سيظهر السلوك بمعنى مختلف كلياً.
قاوم علماء النفس هذه النظرة المتطرفة للسلوك الجمعي، ولكنه ظل مسيطراً أعواما طويلة، حتى ظهر علم النفس الاجتماعي المعرفي كمفهوم بديل للاتجاه المتطرف الذي جاءت به النظريات البدائية.
علم النفس الاجتماعي المعرفي يرى أن الخصائص السيكولوجية للأفراد تتأثر بتفاعل هذا الفرد مع المجتمع. فمن خلال التفاعل الاجتماعي للفرد تنشأ معايير وقيم وأفكار نمطية يجعل من ظاهرة الجماعة أمرا واقعيا وحقيقيا. فالشخص تتحول سلوكياته داخل المجموعة لتتوافق مع أفعال واتجاهات المجموعة وهذا أمر من الصعب تجاهله.
ومع بداية الثمانينيات ظهرت “نظرية الهوية الاجتماعية” التي كانت تهدف لدراسة حاجة الأفراد إلى التقدير الذاتي وإلى التميز الإيجابي عن طريق خلق هوية اجتماعية لهم داخل المجموعة. وفسرت هذه النظرية كيف تستمد الذات معناها من خلال السياق والتفاعل الاجتماعي، وفسرت كذلك كيف يحدد التصنيف الاجتماعي مكان الفرد في المجتمع.
ومن هنا تستطيع الكاتبة بناءً على نظرية الهوية الاجتماعية القول إن الأفراد بحاجة للانخراط والاندماج في جماعات لها هويات مميزة وإيجابية، ويتم ذلك من خلال بحث الفرد عن هوية اجتماعية ملائمة بمجرد أن يجدها فإنه يسعى الى التوسع والتفوق على أقارنه فيها. وإذا لم يجدها، فإنه يسعى إلى التغيير، باحثا عن استراتيجيات بديلة كالمواجهة المباشرة، المقارنة بين المجموعات واختيار الأفضل، الحراك الاجتماعي والتوسع، الاتيان بإبداع جديد، إعادة ترتيب القيم والأفكار، أو الاندماج والتكيف.
عندما يدرك الفرد أنه ينتمي لمجموعة ضعيفة، فإنه بطريقة لأوعية يسعى للبحث عن بدائل أخرى تساعده في تحقيق ذاته كالاندماج والانصهار في الجماعة المسيطرة، ومثال على ذلك، فقد حاول المهاجرون الذين هاجروا إلى أمريكا الشمالية التخلي عن هويتهم القومية من أجل أن يصبحوا مواطنين أمريكيين. تسعى هذه المجموعة كذلك إلى أعادة تعريف للخصائص الفردية السلبية لتصبح إيجابية، مثال علية، اختيار ملكات الجمال وعارضات الأزياء من ذوات البشرة السوداء لتصبح البشرة السوداء أحد معايير الجمال والنجاح في مجال الموضة. التعريف بالنفس من خلال أفكار جديدة أو خدمات ومنتجات جديدة وبذلك يصبح للمجموعة التي ينتمي لها الفرد فرصة كبيرة للظهور بشكل أكثر إيجابية. ومن بين البدائل كذلك، المنافسة المباشرة مع المجموعة المسيطرة، ولكن هذه الاستراتيجية تقود غالباً للصراعات والنزاعات بين المجموعات.
وبالخاتمة، نستطيع القول إن السلوك الناتج من الفرد يعكس الهوية الشخصية للفرد، فإذا كانت هذه الهوية ضعيفة وسلبية، لجئ الفرد لسلوكيات تتوافق مع معايير وقيم مجموعة ذات هوية بارزة محاولا الارتباط بها فتبرز لدية الهوية الاجتماعية بدلا من الهوية الشخصية، وبذلك يكون تصنيفه لذاته مرتفع وهنا يتحقق بداخله التميز الذاتي