فاطمة الفلاحي ، البوح الذي يُضيء العتمة ، بقلم : بقلم: رانية مرجية

فاطمة الفلاحي ، البوح الذي يُضيء العتمة ، بقلم : بقلم: رانية مرجية

دراسة نقدية

أولاً: مدخل

تُشكّل تجربة الشاعرة العراقية فاطمة الفلاحي مزيجًا فريدًا بين الاعتراف الذاتي والانفتاح الكوني. فهي تكتب الشعر الحديث والقصة القصيرة والخاطرة بلغة شفافة لا تخلو من الرمزية، وتجعل من الغياب، الزمن، والمرأة أعمدة كبرى لمشروعها الإبداعي.

ثانيًا: مقاربة بنيوية

من منظور بنيوي، نصوص الفلاحي تقوم على ثنائيات متضادة:
• الحضور/الغياب
• الزمن/الخلود
• اللغة/الصمت
• الوطن/المنفى

هذه الثنائيات تُولِّد التوتر الدائم في نصوصها، وتُشكّل المحرّك الداخلي لبنيتها الشعرية. على سبيل المثال، نص “ضيق حد الاختناق” يعكس تلاشي الحدود بين اللغة والعجز، حيث تتحول الكلمات إلى أنقاض، ما يُبرز تفكك البنية التقليدية للشعر أمام ثقل التجربة.

ثالثًا: مقاربة سيميائية

رمزية الماء والأنهار تحضر في أعمالها كعلامة للتجدد والانسياب، بينما النار ترمز للتحوّل والعذاب معًا. في نص “الزمن هو المادة التي أنا مصنوع منها”، تتحوّل العلامات (النهر/النمر/النار) إلى شبكة دلالية تعكس جدلية الانصهار والانقسام. هذا الاستخدام المكثّف للرمز يجعل نصوصها قابلة للتأويل على مستويات متعددة، ويُثبت انتماءها إلى الشعر الرمزي الحديث.

رابعًا: مقاربة نسوية

تتجاوز الفلاحي حدود التعبير عن الذات الأنثوية لتُقدّم المرأة بوصفها صوتًا كونيًا. في نصوصها لا تظهر المرأة كموضوع، بل كفاعل يواجه الزمن والوطن والغياب. إنها تُعيد الاعتبار لتجربة المرأة كإرادة للقول ومقاومة الصمت. من هنا، يمكن ربط تجربتها بأدب كاتبات عربيات مثل فدوى طوقان ونازك الملائكة، مع فارق أن صوتها أكثر حميمية واعترافية.

خامسًا: مقاربة وجودية

النصوص عند الفلاحي تشتبك مع سؤال المعنى. الزمن ليس مجرد إطار خارجي بل مادة تفتك بالذات، كما في مقطعها:

“الزمن نهر يجرفني… لكنه أنا النهر”.
هذا التوتر بين الفاعل والمفعول، بين الذات والزمن، يُذكّر بالقضايا الوجودية لدى سارتر وكامو، حيث يتحول الأدب إلى وسيلة لمساءلة جدوى الوجود ذاته.

سادسًا: خاتمة

إن تجربة فاطمة الفلاحي تتأسس على بوحٍ يتجاوز حدود الاعتراف الشخصي ليصبح خطابًا إنسانيًا كونيًا. نصوصها تشهد على هشاشة الإنسان، لكنها أيضًا تكشف عن قدرته في تحويل الوجع إلى جمال. بهذا المعنى، فإن أدبها يشكّل إضافة نوعية إلى المشهد الشعري العربي المعاصر، وقابلاً لأن يُدرَس في سياق الأدب المقارن والكتابة النسوية العالمية