6:01 مساءً / 19 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

نحنُ لا نملك ترف الفوضى … ولا نحتمل مزيدًا من الدم ، بقلم : معروف الرفاعي

نحنُ لا نملك ترف الفوضى … ولا نحتمل مزيدًا من الدم ، بقلم : معروف الرفاعي

نزيفٌ في القدس… من بيرنبالا إلى عناتا وبيت حنينا وصولًا إلى بحر يافا
كيف نوقف الدوّامة قبل أن تبتلع مدينتنا؟


القدس اليوم جريحة، خمسُ عائلاتٍ ثُكلى خلال يومين فقط: شابٌ قُتل في بيرنبالا، وآخرُ في عناتا، وثالثٌ في بيت حنينا، وحادثٌ مروّع في بحر يافا أودى بحياة الشابين بهاء شويكي (30 عامًا) وأمين زعرور (26 عامًا) وأصاب اثنين آخرين بإصاباتٍ خطيرة، كل ذلك في مدينةٍ تتعرض يوميًّا لسياسات قهر واستيطان وتهويد، يصبح كلّ نزاع داخلي طعنةً إضافية في القلب.

  • بيرنبالا (شمال غرب القدس): أعلنت الشرطة الفلسطينية وقوع جريمة طعن أودت بحياة أحد المواطنين مساء الجمعة/السبت، بعدما نشب خلافٌ تطوّر إلى جريمة قتل.
  • عناتا (شمال شرق القدس): أفادت وسائل محلية بمقتل الشاب محمود مصطفى جرادات إثر إطلاق نار، بينما أُصيب آخر ونُقل إلى المستشفى، وفتحت الشرطة التحقيق في الملابسات.
  • بيت حنينا (شمال القدس): عُثر على جثة شاب في العشرينات من عمره مساء الأحد 17 آب/أغسطس 2025، بعد تعرضه لإطلاق نار مباشر في أحد شوارع الحي، فيما باشرت الأجهزة المختصة التحقيق في الجريمة التي هزّت الأهالي.
  • بحر يافا: لقي الشابان بهاء رضا شويكي وأمين خليل زعرور حتفهما، وأُصيب اثنان آخران، بعد حادث اصطدام قارب وما تبعه من غرق، مساء السبت 16 آب/أغسطس 2025، والتحقيقات جارية.
    هذه الوقائع — على اختلاف أسبابها — تتقاطع في نتيجة واحدة: عائلات مكسورة، مجتمع مذهول، وأبواب مفتوحة أمام ثأرٍ أعمى وانفلاتٍ يلتهم مستقبل أولادنا.
    يوجعنا هذا أكثر لأننا في القدس نعيش تحت ضغطٍ استثنائي: اقتحامات، تضييق، اعتقالات، وهدم بيوت… ثم ننزف من الداخل، كلّ رصاصةٍ طائشة، وكلُّ سكينٍ تُشهر في لحظة غضب، تُلهي مجتمعنا عن معركته الحقيقية: صون الإنسان والأرض والهوية، ولأن الفقد هنا لا يخص عائلة بعينها؛ بل يخصُّ مدينةً كاملة تتنفس على مهل.
    يا آباء وأمهات القدس، أولادُنا أمانة، نعرفُ أن القهر يولّد الغضب، وأن الفقر والبطالة والضيق يدفعون الشباب إلى الحوافّ، لكننا مسؤولون عن أن نُمسكَ بأيديهم قبل أن يسقطوا، راقبوا دوائرهم الاجتماعية، واسألوا عن رفاقهم وأوقاتهم بعد المغيب.
    لا تُقلّلوا من إشارات الخطر: كلمات تهديد، صور سلاح، سهرات صاخبة، تعاطٍ أو ترويجٌ للعنف على المنصّات.
    افتحوا باب البيت للحديث لا للمحاسبة فقط؛ فالشاب الذي يجد حضنًا آمنًا أقلّ عرضةً للانزلاق.
    يا شيوخ العشائر، يا رجال الدين، يا رجال الاصلاح نحن بحاجة إلى “إنذار مبكّر اجتماعي”. نريد جاهاتٍ تعمل قبل وقوع الدم، لا بعده، ونريد لجان تهدئةٍ دائمة في كلّ حيّ، هواتف مفتوحة ليلًا ونهارًا، وقدرًا من الجرأة لوقف أي شرارةٍ صغيرة قبل أن تصير نارًا.
    المدرسة والجامعة ليستا قاعات درس فقط؛ هما مساحاتُ حياة، إدماجُ برامج فضّ النزاعات، إدارة الغضب، الإسعاف النفسي الأوّلي، ومهارات التواصل اللاعنفي يجب أن يتحوّل إلى جزءٍ ثابت من الجداول، كما أن المرشدين التربويين بحاجة إلى أدوات وساعات عمل ميدانية تُخرِجهم من المكاتب إلى الشوارع حيث يختلط الطلاب بالحياة الحقيقية.
    يجب ان نتحرك فوراً نحو انشاء:
  • لجان تهدئة محلية: تشكيل لجان حيّادية في كلّ بلدة (بيرنبالا، عناتا، بيت حنينا، شعفاط…) تضمّ وجهاء ومختصّين نفسياً واجتماعياً ومحامين.
  • خط ساخن موحّد: رقمٌ واحد لكلّ القدس للتبليغ المبكّر عن شجاراتٍ وشيكة أو تهديدات، مع تعهّد بسرّية المُبلّغين.
  • ميثاق شرف مجتمعي: توقّعه العائلات والفاعليات يحظّر استخدام السلاح الناري والأبيض في الخلافات، ويضع إجراءات فورية للمساءلة الاجتماعية.
  • وساطات عشائرية سريعة: بروتوكول جاهز خلال 6 ساعات من أي شجار كبير: وقف تحريض المنصّات، هدنة إعلامية، مجلس صلح أولي، وتحديد كفلاء التزام.
  • رقابة أبوية ذكية: ورش قصيرة للأهل حول المتابعة الرقمية الآمنة لأجهزة الأبناء دون انتهاك خصوصيتهم.
  • رعاية ما بعد الصدمة: فرق دعم نفسي تزور مدارس وأحياء الضحايا (في بيرنبالا، عناتا، بيت حنينا، جنوب القدس، …) خلال 72 ساعة، لتخفيف العدوى العاطفية بالعنف والثأر.
  • بدائل للشباب: دوريات رياضية ليلية، نوادٍ موسيقية، مختبرات تكنولوجية، وحاضنات مبادرات شبابية ممولة صغيرة مقابل التزامٍ بميثاق اللاعنف.
  • تجريم اجتماعي للسلاح: حملات مسجدية وكنسية وأهلية متزامنة تجعل «التباهي بالسلاح» عيبًا اجتماعيًا لا مفخرة.
  • مرافعة قانونية عادلة: شبكة محامين لمتابعة قضايا الشباب، تفصل بين المساءلة القانونية وبين الانتقام الأهلي.
  • مرصد بيانات مجتمعي: توثيق الحوادث وأسبابها وأنماطها (مكان/وقت/أدوات) لصناعة تدخلات دقيقة بدل ردود الفعل الغاضبة.
    ما يجري ليس “قضاءً وقدرًا” فقط، وليس “حوادث فردية” تمرّ، بل هو مسار يمكن كسرُه إذا اتفقنا على:
  • أن لا مكان للسلاح في فضّ خصوماتنا.
  • أن الثأر لا يُعيد الأحبّة، بل يضاعف الأيتام والثكالى.
  • أن القدس — بكل قدسيتها — تستحق أن نكون أكبر من غضبنا.
    لأُمهات وآباء ضحايا بيرنبالا وعناتا وبيت حنينا وعائلات الغرق في يافا: أحزانكم أحزاننا، نقف إلى جانبكم، ونَعِدُكم أن نعمل — يدًا بيد — كي لا تتكرر الفاجعة، سنختلف، نعم، لكننا لن نسمح أن يتحول اختلافنا إلى دم.
    القدس ليست مدينةً عادية، إنها معيارُنا الأخلاقي ووجهُنا أمام العالم.
    أن نوقف نزيفنا الداخلي اليوم، هو جزء من معركتنا الكبرى على هذه الأرض.
    فلنشدّ على أيادي بعضنا، ولنفتح أبواب البيوت قبل أن تفتح قاعات العزاء من جديد.
    معًا… نختار الحياة، ونحفظ المدينة.

  • – معروف الرفاعي – مستشار محافظ القدس –

شاهد أيضاً

مجلس الوزراء يطالب بإجراءات دولية ملزمة لوقف الحرب على غزة والمخططات الاستيطانية في القدس

مجلس الوزراء يطالب بإجراءات دولية ملزمة لوقف الحرب على غزة والمخططات الاستيطانية في القدس

شفا – طالب مجلس الوزراء، بإجراءات دولية ملزمة لوقف عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، …