3:12 مساءً / 18 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

النفخ في الأساطير لن يجدي نفعا في بعث ” مملكة نتنياهو الكبرى ” ، بقلم : تيسير خالد

النفخ في الأساطير لن يجدي نفعا في بعث ” مملكة نتنياهو الكبرى ” ، بقلم : تيسير خالد


قبل أيام أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إنه يشعر بأنه في ” مهمة تاريخية وروحية “، وأنه متمسك “جداً” برؤية إسرائيل الكبرى، التي تشمل الأراضي الفلسطينية ، “وربما أيضاً مناطق من الأردن ومصر” بحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل . جاء ذلك في الحوار ، الذي أجراه معه الصحفي في قناة i24 الإسرائيلية، شارون غال الذي كان لفترة وجيزة عضواً يمينياً في الكنيست ، بعد ان أهدى نتنياهو قلادة تحمل خارطة ” اسرائيل الكبرى ” هدية لزوجته وسأله عن مدى ارتباطه ” بهذه الرؤية ” لإسرائيل الكبرى، فأجاب نتنياهو: ” بالتأكيد “. وللعلم فإن “إسرائيل الكبرى” هذه خرجت أيضا الى العلن بعد حرب الأيام الستة في حزيران 1967 للإشارة إلى إسرائيل والمناطق التي احتلتها آنذاك والتي تضم القدس الشرقية، والضفة الغربية، وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء، ومرتفعات الجولان السورية .


وقد بقي التعريف الجغرافي لما يسمى ” ارض اسرائيل الكبرى ” مدار خلاف في التلمود والادب التلمودي . الأكاديمي واستاذ الكيمياء وأحد الناجين من المحرقة النازية ، إسرائيل شاحاك ( 1933 – 2001 ) والناشط في مجال حقوق الإنسان ، الذي عُرف بانتقاداته الحادة للحكومات الاسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي ، خاصةً فيما يتعلق بالسياسات تجاه الفلسطينيين ، سلط الضوء في كتابه ” الديانة اليهودية وموقفها من غير اليهود ” والذي صدرت ترجمته الاولى عن دار سينا في القاهرة عام 1994 على ذلك على النحو التالي : حسب دعاة الحد الأقصى تشمل ارض اسرائيل إضافة الى فلسطين شبه جزيرة سيناء والاردن وسوريا ولبنان ومساحات واسعة من الأراضي التركية . وقد استخدم جيش الاحتلال ذلك في تعليم ضباطه . أما دعاة الحد الأدنى فيكتفون في رسم الحدود الشمالية بالحد الممتد عند حمص بيت سورية ولبنان ، وقد نال ذلك تأييد دافيد بن غوريون رئيس وزراء دولة اسرائيل الاول . وفي جميع تفاسير التلمود فإن ارض اسرائيل تشمل جزيرة قبرص كذلك .


نتنياهو في حديثه الصحفي المشار إليه ترك الوضع غامضا بين حده الأقصى وحده الأدنى ، هو ليس بن غوريون ، الذي تواضع واكتفى بخط حمص في حدود مملكة دواد في الشمال ، لأنه في أجواء الحرب الوحشية على قطاع غزة وحرب الاستيطان والتهويد والتطهير العرقي في الضفة الغربية لا يرغب الدخول في خلافات على الحدود مع سموتريتش وبن غفير وعميحاي إلياهو واوريت ستروك ، او مع رأي عام يتحول بتسارع نحو الفاشية العدوانية والتوسعية في اسرائيل ، فما هي حاجته لذلك طالما ان الرسالة قد وصلت وبأنه في مهمة تاريخية وروحية توفر له فرص كسب المزيد من الانصار الى حزبه وخياله المريض الجامح الى البقاء في الحكم حتى انجاز مهمة يعرف هو قبل غيره بأنها مهمة مستحيلة .


ردود الفعل على اوهام وأحلام هذا الرجل المريض المسكون كذبا بالمهمة التاريخية والروحية كانت واسعة وغاضبة ، بدءا بجميع مكونات الشعب الفلسطيني السياسية والحزبية والروحية ، مرورا بالاردن ومصر ، وهما بلدان وقعت معهما دولة اسرائيل ” اتفاقيات سلام ” وانتهاء بعديد قادة دول هذا العالم ، الذين صدموا بتصريحات نتنياهو ، التي ذكرت بعضهم بماض غير بعيد لأدولف هتلر وأحلامه المريضة حول ” الرايخ الثالث ” ، بمن فيهم رجب طيب اردوغان . كيف لا يغضب الرئيس التركي وعيون دعاة الحد الأقصى لمملكة داود على مساحات واسعة من الاراضي التركية في الجنوب .
مملكة داوود ، التي يحلم بها نتنياهو هي دولة على الورق ، هي دولة اساطير ، تماما كما هي اسطورة داود . مملكة بنيامين نتنياهو تذهب بعيدا في التاريخ ، الى ما قبل ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة كما يزعم ، وكذا هو الحال عند بتسلئيل سموتريتش وغيره من النازيين الجدد في اسرائيل ، هي عودة الروح الى تلك المملكة ، التي أشار إليهاإعلان استقلال هذه الدولة عام 1948 . هي مملكة شاؤؤل وداوود وسليمان ، يريد نتنياهو بعثها من جديد . فما هي حكاية تلك المملكة .


كان داوود قبل ان يصبح ، حسب الاساطير ، ملكا زعيما لعصابة تضم في صفوفها ستمائة من قطاع الطرق ، وكان مطاردا من الملك شاؤول وكثيرا ما كان يلجأ الى الفلسطينيين يطلب الحماية ، وقد منحه الفلسطينيون ذلك وفقا لأسفار الملوك . وعندما حل ملكا بعد مصير شاؤول المأساوي ، كان داود أيضا طريدا عبر الاردن لابنه أبشالوم ، الذي اغتصب السلطة من أبيه . لم تكن بداية ملكه توحي بالاستقرار ، الذي يسمح له ببناء مملكة قادرة على شن الحروب والتوسع في انتصارات على الممالك المجاورة وتأسيس امبراطورية . وما جاء في رواية سفر صموئيل وسفر الملوك الأول بشأن تلك لإمبراطورية ، التي امتدت من النيل الى الفـرات لم يكن له وجود من الأساس.


ولكن ما هو مصدر اسطورة تلك المملكة الامبراطورية . كثير من علماء التاريخ يؤكدون أن الاسطورة هذه هي استعارة شبه حرفية من كتابات مصرية حول حروب الفرعون ” تحتموس الثالث ” وانتصاراته على تحالف الممالك في آرام ومؤاب وآدوم وكنعان ، التي تنادت لصد التوسع الفرعوني في هذه البلاد وصولا الى ما بين النهرين ، والذي بنى إمبراطورية مصرية امتدت فعلا من النيل الى الفرات وهي حروب وانتصارات منقوشة بتفاصيلها على جدران معبد الكرنك . الرواية التوراتية عن امبراطورية داوود جاءت على شكل استعارة دون تعديل تقريبا فظهرت عارية . الى ذلك يشير سفر صموئيل الثاني في الاصحاحين الثامن والعاشر ، فهما مقتبسان بالكامل من حروب ذلك الفرعون . عالم الآثار الإسرائيلي إسرائيل فنكلشتاين ، من جامعة تل أبيب ، يذهب أبعد من ذلك . فهو ينفي في تقرير له ، نشرته مجلَّة جيروساليم ريبورت الإسرائيلية في الخامس من آب عام 2011 ، أي شاهِد إثبات تاريخي ، على وجود ذلك المَلِك المحارِب ؛ الذي اتَّخَذَ من القدس عاصمة له ، ويؤكد أن شخصية داود ، كزعيم يحظى بتكريم كبير وحد مملكتي يهودا واسرائيل ليس غير وهم وخيال ولم يكن له وجود حقيقي .


مملكة داود هذه اسطورة ، لا أقل ولا أكثر ، وهي اسطورة اعتمدت النفخ والتضخيم على نحو مفرط ، وهو ما نجده في الكثير من الاساطير في التلمود والأدب التلمودي ، وخاصة تلمود بابل ، الذي يعتبر المرجعية الرئيسية الاولى لتلك الاساطير ، التي جرى النفخ فيها الى درجة اصبح من غير المجدي الاعتماد عليها كمنصة تاريخية أو لها علاقة بالتاريخ . حكاية هذه المملكة من حيث كثرة النفخ فيها لتضخيمها على شبه وثيق بحكاية ” هيكل سليمان ” ، الذي استغرق بناؤه حسب سفر الملوك الأول وسفر أخبار الأيام الثاني سبع سنوات وشارك في البناء 180 الف عامل ، كان لدى سليمان أيضاً سبعون ألف عامل غير ماهر وثمانون ألفاً آخرين من نحاتي الحجارة في الجبال، بالإضافة إلى ثلاثين ألفاً وثلاثمائة مشرف يديرون المشروع ويشرفون على فرق العمل. كل هذا لبناء معبد بلغ طوله 40 ذراعًا، وعرضه 20 ذراعًا، وارتفاعه 30 ذراعًا ، علما ان الذراع يتراوح طوله بين نصف متر وثلاثة ارباع المتر .


النفخ في الاساطير وتضخيمها لا حدود له في التلمود والأدب التلمودي ، وقد شملت حتى اسطورة الخروج من مصر . في تلك الاسطورة قدر عدد اليهود الذين خرجوا مع موسى من مصر، حسب سفر الخروج وغيره من النصوص الدينية، بـ 600 ألف رجل، بالإضافة إلى النساء والأطفال. هذا يمثل عددًا كبيرًا من السكان يتجاوز المليونين ، وقد أثار ذلك جدلاً بين المؤرخين والباحثين حول مدى دقة هذا الرقم، خاصةً مع عدم وجود سجلات تاريخية تؤكد هذا العدد الضخم . تجدر الاشارة هنا أن العلماء المختصين بالحياة الرعوية في المناطق الصحراوية يؤكدون ان مجموعة سكانية رعوية ، كحال العبرانيين ، إذا ارادوا التنقل في صحراء فإن انتشار نحو 25 الف من السكان يحتاج لمنطقة عرضها 20 كيلو مترا وعمقها نحو ثلاثة كيلومترات من اجل تأمين أمنها ومراعيها ، فما بالك بمليونين . الأهم من ذلك أن ” زائيف هرتسوغ ” و” إسرائيل فنكلشتاين ” ، وهما مختصان في تاريخ الشرق الأدنى القديم وعلوم الآثار ، يؤكدان أن حادثة خروج العبرانيين من مصر لم تقع، وذلك ببساطة لأن اليهود لم يدخلوا مصر من الأساس . فضلا عن ذلك بذلت اسرائيل كل جهد ممكن بعد احتلال سيناء عام 1967 للكشف عن أي دليل يشير إلى ذلك الخروج، كبعثة اليعازر أورين والذي نشر أعمال حفائره واكتشافاته في سيناء، وكلها لم تخرج بأي دليل يشير إلى خروج بني إسرائيل من مصر .


أخيرا وبصرف النظر عن دوافع نتنياهو في إطلاق مثل هذه التصريحات ، التي تعبر عن عقلية مريضة ، فإن على نتنياهو وعصابته الحاكمة في اسرائيل أن يدرك بأن عالم اليوم غير عالم ما قبل ثلاثة الاف عام وأن النفخ في الاساطير لن يجدي نفعا في بعث مملكته وبأن جيشه الغارق في رمال غزة أعجز من أن ينجز شيئا ، ولو محدودا ، منها .

شاهد أيضاً

وفد من ملتقى رجال الأعمال الفلسطيني يزور مقر الأمن الوقائي في الخليل

وفد من ملتقى رجال الأعمال الفلسطيني يزور مقر الأمن الوقائي في الخليل

شفا – قام وفد من ملتقى رجال الأعمال الفلسطيني برئاسة رئيس الملتقى احمد القواسمي يوم …