12:41 مساءً / 2 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

في نص “توهان” للمبدعة نهاي إبراهيم البيم ، عندما تصير الروح متاهةً واللغة خلاصًا ، بقلم : رانية مرجية

في نص "توهان" للمبدعة نهاي إبراهيم البيم ، عندما تصير الروح متاهةً واللغة خلاصًا ، بقلم : رانية مرجية

في نص “توهان” للمبدعة نهاي إبراهيم البيم ، عندما تصير الروح متاهةً واللغة خلاصًا ، بقلم : رانية مرجية

ثمة نصوص لا تُقرأ، بل تُسكن.


تتمدد في الداخل، توقظ كائناتٍ نصف نائمة في ذاكرة الجسد والروح.
هكذا هو نص “توهان” للمبدعة نهاي إبراهيم البيم، نصٌ لا يسرد، بل ينزف. لا يصف الحالة، بل يكون الحالة.

منذ الجملة الأولى، ندخل إلى متاهةٍ وجدانية مكتظة بالتوترات:

“تتراكم الأفكار. أمضي أُلفّ حول ذاتي…”

هنا، لا نتعامل مع فِكرة “الضياع” كأمر خارجي، بل كـلبّ الكينونة ذاتها.
الشخصية لا تته في العالم، بل تتوه في ذاتها. تدور حول محورها ككوكبٍ انفلت من مداره.
وهذا الدوران ليس عبثيًا، بل محاولة دؤوبة لإعادة التوازن، لرسم خارطة جديدة للروح المتصدعة.

الزمن في النص: انزلاق بين الذاكرة والمستقبل
ما يلفت في “توهان” هو أن الزمن ليس خطًا مستقيمًا.
الراوية تتحرك بين سراديب الماضي وارتباكات الحاضر وغموض المستقبل، دون فصل واضح.
هذه السيولة الزمنية تعكس تفكك الذات، وانكسار إدراكها الخطيّ للعالم.

الماضي يظهر كقوة طاغية:

“الذكريات تُنبهني… خطّت على جبيني كدقّ الطبول”
صوتٌ لا يسكت، يقرعنا من الداخل، لا لكي يؤذينا، بل كي يوقظنا.
والمستقبل؟
هو “مجهول” لكنه “يلوّح”، كأنّه سراب أو قدر يراقب من بعيد، يُرهب ويغوي في آنٍ.

الصراع الداخلي: من الارتجاف إلى المواجهة
كل ما في النص هو صراع:

بين الإرادة والضعف

بين الرجاء والخوف

بين ما مضى وما قد يأتي
الكاتبة لا تُخفي هذا الصراع، بل تُعريه. تتركه يتنفس، يرتجف، ثم بالتدريج: يتماسك.

“أمسح من داخلي ارتجافي”…
عبارة تقطر صدقًا، كأنها لا تُكتب بالحبر، بل بخفق القلب نفسه.
هنا، لا نقرأ عن بطلة قوية تتجاوز مخاوفها ببطولة، بل عن امرأة حقيقية، بشرية، تتنفس الرعب لكنها تختار رغم ذلك أن تستمر.
وهذا ما يمنح النص عظمته: أنه لا يخدعنا ببطولات مصطنعة، بل يمنحنا صورة الإنسان كما هو حين يكون هشًا… وحين يقرر أن يقوم.

الرموز: دخان السجائر والأوهام
من أذكى ما في النص استخدام “دخان سجائري الوهمية”.
هذا المجاز العميق لا يشير فقط إلى أفكار غير واقعية، بل إلى إدمان تلك الأفكار، كما ندمن العادات المؤذية ونحن نعلم ضررها.


إنه تعبير عن سلوك نفسي مألوف:
نختلق سيناريوهات مرعبة في عقولنا، نصدقها، نتنفسها، ثم ننهار بسببها.
لكن الكاتبة تقرر “تبخيرها”، كمن يقلع عن وهم قديم، ليتنفس هواءً جديدًا.

من التوهان إلى الولادة: الكتابة كخلاص وجودي
النص، رغم وجعه، ليس استسلامًا.
بل هو إعلان مقاومة هادئة، خافتة، لكنها عنيدة.


في جملة مثل:

“لأُكمل دربي بأمل يمحو مخاوفي ويبدّد يأسًا”
نلمح نبرة إنسانة قررت أن تحيا.
وأن تجعل من الألم حبرًا، ومن الخوف لغًى، ومن التيه طريقًا للعثور.

النهاية ليست تفاؤلاً ساذجًا، بل هي قرار وعي:
أن نحيا رغم كل ما نراه مظلمًا.
أن نمنح أنفسنا “المساحة” حتى ولو في عزّ الزحام،
أن نقول للأوهام: كفى.

خاتمة: لماذا يلامسنا “توهان”؟


لأننا جميعًا تائهون، بدرجات مختلفة، وفي طرق متباينة.
لكن قلة فقط تجرؤ على أن تكتب هذا التوهان بلغة شفافة، صادقة، ومتزنة كما فعلت نهاي إبراهيم البيم.

نصها ليس مجرد بوح، بل تجلٍّ روحي.
ليس استعراضًا لغويًا، بل صرخة داخلية تكتب نفسها على الورق لتتطهر.

في زمن كثر فيه الضجيج وتراجعت الأصوات الأصيلة،
تأتي نهاي لتقول، بهدوء من يفهم ذاته:

أنا تائهة… نعم.
لكنني أعرف طريقي في هذا التيه.
ولغتي… نجاتي.

شاهد أيضاً

مستوطنون يقطعون أشجار زيتون في قرية فرخة جنوب سلفيت

شفا – قطع مستوطنون، صباح اليوم السبت، عددا من أشجار الزيتون في قرية فرخة جنوب …