
الحصانة النفسية للأخصائيين الاجتماعيين في ظل الحرب ، درع البقاء الإنساني ، بقلم : خليل إبراهيم أبو كامل
في الوقت الذي يعيش فيه شعبنا الفلسطيني واحدة من أكثر المراحل قسوةً وألمًا، من حرب شرسة على قطاع غزة، وهجمات مستمرة من المستوطنين على القرى والبلدات في الضفة الغربية، يبقى الأخصائي الاجتماعي حاضرًا في الخطوط الأمامية. ليس فقط كشاهدٍ على المعاناة، بل كفاعلٍ في مواجهتها، ومرافقٍ لها، وحاضنٍ لأثرها الثقيل على الأفراد والعائلات والمجتمع.
في فلسطين، يكاد يستحيل على الأخصائي الاجتماعي أن يفصل بين ذاته المهنية وذاته الشخصية. فهو ليس غريبًا عن الوجع، بل يعيش ذات الألم، يبيت على خبر مجزرة، ويصحو على صدمة تهجير، يتابع حالة طفل فقد عائلته، ويذهب في المساء لوداع شهيد من أقاربه.
في ظل هذا الواقع القاسي، تصبح الحصانة النفسية ضرورةً وجودية، لا ترفًا أكاديميًا. فكيف يمكن لأخصائي أن يواصل عمله بإنسانية، بينما تنزف روحه بصمت؟
ما هي الحصانة النفسية في هذا السياق؟
ارى ان الحصانة النفسية تعني أن نحمي من يرعى الآخرين. أن نتيح للأخصائي مساحة آمنة ليتنفس، ليتكلم، ليبكي، وليقول “أنا متعب” دون خوف من لوم أو وصمة.
هي مجموعة من الأدوات والدعائم التي تُمكّنه من البقاء في الميدان، دون أن يفقد إنسانيته أو ينهار داخليًا.
الصدمة في فلسطين لم تعد استثناءً، بل واقعًا يوميًا. من غزة إلى جنين، من مسافر يطا إلى نابلس، الصراخ واحد، والوجع يتكاثر. وفي ظل هذه الصدمة الجماعية، يبرز الأخصائيون الاجتماعيون كحائط صدٍّ أخير في وجه الانهيار المجتمعي.
لكن من يحمي هذا الحائط؟ من يُحصّنه؟
إن لم نؤمن حصانة نفسية حقيقية للأخصائيين، فإننا نخسر تدريجيًا العمود الفقري للعمل الإنساني والاجتماعي، ونُجهز على ما تبقى من تماسكنا المجتمعي.
ماذا نحتاج فعليًا؟
• إدراج جلسات تفريغ نفسي دورية داخل المؤسسات.
• تقديم دعم نفسي للأخصائيين العاملين في مناطق الصراع، كما نُقدمه للضحايا.
• سياسات واضحة تحمي الأخصائي من الاستنزاف، وتشجعه على الاعتراف بتعبه.
• تدريب الأخصائيين على أساليب “المرونة النفسية” في ظل الصدمات الممتدة.
• تعزيز ثقافة الاعتراف الإنساني بأن الأخصائي ليس خارقًا، بل إنسان يتعب ويحتاج.
في وقت تُهدم فيه البيوت فوق ساكنيها، وتُسحق فيه الطفولة تحت ركام الحرب، نحتاج إلى حماية من يرمّم، من يسمع، من يرافق، من يُمسك بالحياة في لحظة موت.
الحصانة النفسية للأخصائيين ليست خيارًا، بل هي شرط أساسي لصمودنا كأفراد وكمجتمع.
- – خليل إبراهيم أبو كامل – أخصائي اجتماعي ومدير عام “فلسطين تُعطي – PalGive” –