
صوتك… النبوءة والبعث من رماد الصمت ، بقلم: رانية مرجية
“يُحَاصِرُنِي صَوْتُكَ:
مَعَ الرِّيحِ، كالنُبُوءَة،
يأتي.
يَطْرُقُ بَابَ الْفَرَحِ
فَتُبَرْعِمُ
أَغْصَانُ الرُّؤْيَا.”
ريتا عودة
في ومضة شعرية آسرة، لا تتعدّى السطور، تسكب الشاعرة الفلسطينية ريتا عودة وجدانها برهافة مَن تُحاور الخفاء، وتستحضر من الغياب حضورًا طاغيًا لا يُقاوم. الومضة هنا ليست مجرد لحظة شعرية عابرة، بل تجربة وجوديّة كاملة، تبدأ من صوتٍ يحاصر، لا بالضجيج، بل بالتغلغل الصامت في الروح — صوتٌ لا يُقال، بل يُحَسّ.
صوتٌ يأتي مع الريح
الصوت ليس عاديًا، بل “يأتي مع الريح”، أي أنّه محمول على أجنحة الطبيعة، متحد مع ما هو كونيّ. كأننا بإزاء “وحي” لا يُسمع بالعقل بل يُلهم القلب، ويمتدّ “كالنبوءة” — كلمة مفعمة بالدلالات الميثولوجية والروحية، توحي بأن الصوت ليس من هذا العالم فقط، بل يتجاوز الحواس ليمسّ الفؤاد.
الفرح… غائب يُستدعى
هذا الصوت لا يُسمع فقط، بل “يطرق باب الفرح”، والفرح هنا لا يُمنَح بسهولة، بل هو غائب مغلق الأبواب، يحتاج لمن يستحضره، ومَن يوقظه. وحده صوت المحبوب – صوت الآخر الحميم، الحضور الغائب – من يملك المفاتيح. وهذا الباب، حين يُطرق، لا يُفتح على ضجيج بل على برعمة، على تفتّح رؤيوي، على ولادة جديدة.
أغصان الرؤيا… حياة من الكلمة
حين تقول الشاعرة “تتبرعم أغصان الرؤيا”، لا تكتفي باستعارة الطبيعة، بل تجعل من الرؤيا نفسها كائناً حيًّا. الأغصان، عادةً، ترتبط بالحياة والنموّ، لكنها هنا ترتبط بالخيال، بالحلم، بالرؤيا — أي بكل ما يتجاوز الواقع المرئي نحو الماوراء. الصوت إذًا يُحدث تحولًا داخليًا، يُنبت في الداخل أشجارًا جديدة من الأمل والتجدّد.
الترجمة: وفاء للروح
الترجمة الإنكليزية، البسيطة والواضحة، حافظت على الجوهر الروحي للنص العربي، لكنها لا تفي تمامًا بالرنين الداخلي للمفردات العربية، مثل “النبوءة” و”تبرعم” و”أغصان الرؤيا”. فهذه كلمات مشحونة بتجربة صوفية داخلية، يصعب نقلها دون فقدان جزء من وهجها الشعري.
خاتمة
هذه الومضة ليست حبًا عابرًا، ولا شوقًا مؤقتًا، بل احتلال ناعم للروح، إحاطة سماوية بالصوت حين يُصبح كيانًا، حين يغدو نبوءة تُعيد تشكيل الداخل، وتوقظ الفرح من سباته العميق.
إنها ومضة تقول الكثير بصمتها، وتكتب رؤيا كاملة في خمسة أسطر.
للمزيد من ومضات الشاعرة ريتا عودة، يمكن متابعة قناتها