10:05 مساءً / 2 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

نجاحٌ في زمن الهزيمة ، عن احتفالات التفوق في امتحان التوجيهي وتجاهل غزة ، بقلم : خليل إبراهيم أبو كامل

“نجاحٌ في زمن الهزيمة: عن احتفالات التفوق في امتحان التوجيهي وتجاهل غزة” ، بقلم : خليل إبراهيم أبو كامل

في الوقت الذي تصدح فيه مكبرات الصوت، وتضيء الألعاب النارية سماء بعض المدن والقرى الفلسطينية احتفالًا بنتائج امتحان الثانوية العامة (التوجيهي)، ثمة ما يعتصر القلب ألماً ويُشعرنا بأننا نعيش في جغرافيات منفصلة وزمنٍ متشظٍ. مشاهد الفرح المبالغ فيها لا تُدين الفرح ذاته، بل تُسائلنا: أي نصر نحتفل به في ظل هزيمة وطنية مستمرة، وحصار، وتجويع، وتدمير شامل طال أبناء شعبنا في غزة على مدار عامين وأكثر؟

ما يثير الغصة ليس تفوق الطلاب ولا فرحة الأهل، بل غياب الحدّ الأدنى من الوعي الجمعي الذي يربط بين المصير الفردي والمصير الوطني. وكأن فلسطين قد تقسمت ليس فقط بالأسلاك الشائكة والجدران الإسمنتية، بل في الوعي والضمير، وكأن الطالب في رام الله يعيش في كوكب آخر لا يسمع أنين زميله المحروم من المدرسة في خان يونس، أو لا يبصر ركام الصفوف المهدمة في الشجاعية.

هناك من نشر صورته حاملاً شهادة التفوق، ولم يجد في قلبه مساحة لنشر سطر تضامن مع الطلبة الذين مُنعوا من التقدم للامتحان، أو الذين قُطعت عنهم الكهرباء، أو الذين طُمروا تحت أنقاض منازلهم. هذا ليس نجاحًا بريئًا، بل طقس من طقوس “الانفصال الرمزي”، حين يتحول التفوق إلى مناسبة لطمس جراح الجماعة بدل أن يكون مناسبة لتكثيف شعورنا بالمسؤولية الجماعية.

ما نعيشه اليوم هو تعبير عن حالة من الهزيمة الذاتية، حين ينتصر الفرد لنفسه فقط، ويتعامل مع إنجازه كأنه انتصار على الواقع لا في قلبه، وكأن النجاح في التوجيهي أهم من العدالة، وأهم من كرامة الإنسان، وأهم من نداء الأم المكلومة على طفلها في غزة. لم نعد نعرف كيف نوازن بين الفرح والواجب الوطني، وكأننا فقدنا البوصلة، أو فضلنا أن نعيش داخل فقاعة ضيقة من الإنجاز الشخصي المصطنع.

غزة ليست جغرافيا بعيدة، ولا أزمة إنسانية موسمية. إنها مرآتنا الأخلاقية والسياسية. من لا يرى غزة في قلبه، لن يرى فلسطين، ولن يرى حتى نفسه بصدق. وإن كنا نُربي أبناءنا على مبدأ “النجاح بأي ثمن”، ونتجاهل أن جزءًا من النجاح هو أن تكون إنسانًا متضامنًا، فنحن نصنع جيلاً بارعًا في الحسابات ومعدلات القبول، لكنه مفلس في الوطنية والكرامة.

النجاح الحقيقي لا يُقاس فقط بدرجات الامتحانات، بل بقدرتنا على أن نُبقي الوطن حيًا في وعينا، وأن نحتفل ونبكي في اللحظة ذاتها، لأن فلسطين ليست منطقة للفرح فقط، ولا منطقة للحزن فقط، بل هي التوتر النبيل بين الوجع والأمل.

شاهد أيضاً

5 شهداء في قصف الاحتلال مدينتي غزة وخان يونس

شفا – استُشهد خمسة مواطنين بينهم امرأتان وأصيب آخرون، اليوم السبت، في قصف الاحتلال مناطق …