2:04 مساءً / 7 يوليو، 2025
آخر الاخبار

“مسافرٌ إليكِ”: سفر في خرائط القلب والذاكرة والمقاومة ، قراءة نقدية في مجموعة الشاعر محمد علوش ، بقلم: جابر حسين الموسوي

“مسافرٌ إليكِ”: سفر في خرائط القلب والذاكرة والمقاومة ، قراءة نقدية في مجموعة الشاعر محمد علوش ، بقلم: جابر حسين الموسوي

في مجموعته الشعرية “مسافرٌ إليكِ”، يواصل الشاعر الفلسطيني محمد علوش مشروعه الإبداعي المتوهج الذي يمتد بين تخوم الذات والهمّ الجمعي، ويعبر الشعر لديه عن سيرة باطنية لعاشق لا يهدأ، ووطن لا ينام، وذاكرة لا تكفّ عن الاشتعال، إنها كتابة مشتبكة، تحفر في تضاريس القلب، وخرائط البلاد، وتعيد رسم العاطفة والهوية على مسطّح شعري ينوس بين الرقة والتمرّد.


العنوان: مفتتحُ التوهج والارتحال: عنوان المجموعة “مسافرٌ إليكِ” لا يحيل فقط إلى خطاب عاطفي موجه إلى الحبيبة، بل يمتدّ ليحمل دلالات فلسفية ووجودية: السفر نحو الآخر، نحو الذات، نحو الوطن، نحو الخلاص… وهو بذلك يؤسس لبنية الحنين والاشتياق كعمود مركزي في التجربة.
تعددية الموضوعات ووحدة الصوت الشعري: تمتاز المجموعة بتنوع واضح في الموضوعات، لكن هذا التنوع لا يفرّق النصوص، بل يجمعها خيط داخلي من التوتر العاطفي العميق والالتزام الوجداني، حيث نقرأ في المجموعة، قصائد حب مشتعلة تمزج بين الجسد والروح، بين الرغبة والتقديس، كقول الشاعر في “تفاحة قلبي”:
أهديك تفاحة قلبي
أهديك برية روحي مرعىً للأيائل…
نصوص وطنية مقاومة ترسخ الحضور الفلسطيني ببلاغة الغضب والكرامة، في “الخان الأحمر” نقرأ:
في الخان الأحمر
سطرنا معجزةً
يتعانق حق الأرض بأعشاب الأرض…
مراثٍ مفعمة بالحنين والوفاء كقصيدة “ساعي الحزن.. ساعي النشيد” التي يهديها لوالده:
رحلت فينا يا نبي الخلاص
يا نبض الروح والقلب…
تجليات وجودية تتأمل العالم بعين شاعرٍ مجروح من الواقع، كما في “على عتبة الأربعين”:
حررت حنجرتي من بقايا الغناء
وجئت إليك أغنية…
اللغة الشعرية: بين الفخامة والبوح العذب: يمتلك محمد علوش قدرة لافتة على ترويض اللغة الشعرية، إذ تجمع لغته بين الجزالة والحميمية، فهو شاعر يكتب بماء القلب لا بالحبر فقط، يتوسل الصورة الشعرية المبتكرة، دون أن يفقد حسّ الصدق والعفوية، على سبيل المثال:


هي نبتة النار المتوهجة
نبتت في دمي
وأشعلت التوهج في قلبي.
كما يستخدم المفارقة والرمز والبيان بطريقة تفتح النص على احتمالات متعددة، دون أن تغرقه في التجريد المجاني.
التناص الديني والأسطوري: تكاد لا تخلو المجموعة من استدعاء رموز دينية أو أسطورية، ليس للتزويق البلاغي، بل لإعادة إنتاج المعنى في سياقات معاصرة، نقرأ مثلاً:
وأغواني الرحيل بعيداً في دروب الغياب
… وأكلت تفاحةً.
يتجلى هنا تناص شفيف مع قصة الخلق والسقوط، في توظيف ينقل النص من الإطار الفردي إلى التأمل الوجودي الجمعي.
تشكيل الصورة: بين الواقعي والغرائبي: في قصائد كثيرة، يرسم علوش صوره الشعرية بتقنيات سينمائية: لقطات قريبة، ومونتاج شعري، وزوايا متعددة للحدث الشعري، في “تحت سماء حمراء”، تتحول الألوان والمفردات إلى طيف بصري مثير:


سماءٌ حمراء
وأغرق في احمرار الطيوب.
وهو بذلك لا يكتب فقط عن التجربة، بل يجعل القارئ يرى، يتخيل، ويشارك في التلقي الجمالي.
الذاكرة والغياب والحضور: تتردد في المجموعة ظلال الفقد والغياب، لكنها لا تأتي في صيغة نواح، بل بوصفها قوى خلاقة تعيد إنتاج المعنى والوجود، ففي “كل الأشياء تذكرني بك”، نقرأ:
وتبقى مواعيدي مؤجلة
تبقى نهباً للريح…
القصيدة هنا لا تُبنى على الحضور بل على غيابه، حيث تصبح الحبيبة مرآة لما لم يتحقق بعد، والمكان فضاءً للانتظار المتوتر.
القصيدة الوطنية: فلسطين في القلب والقصيدة: في قصائد “الخان الأحمر”، “غزة ملاذ روحنا”، “رام الله”، و”سقطت يدي في لجّة اليمن”، تظهر فلسطين ليس كموضوع بل كوجدان شعري حيّ، تسكن اللغة وتشتبك معها، يكتب محمد علوش قصيدة وطنية حديثة، لا شعاراتية، بل ممتزجة بالحب والموت والرمز، فمثلاً:
غزة يا ملاذ روحنا المتعبة


يحاصرك البحر بالموت…


في هذه السطور، تتجلى غزة بوصفها كائناً حيّاً، يتنفس تحت الركام، ويغني رغم الرعب.
البناء الفني: تعددية الشكل وتماسك الإيقاع: يعتمد الشاعر غالباً على النثر الشعري، لكنه لا يهمل الإيقاع الداخلي، والموسيقى الدفينة في اللغة، التنقل بين المقاطع، التوازي، التكرار الفني، وانسيابية الجمل، كلها تخلق تماسكاً جمالياً يجعل كل قصيدة وحدة عضوية متكاملة.


شاعر الهوية والتجلي: “مسافرٌ إليكِ” ليست مجرد مجموعة شعرية، بل سفرٌ شعريٌ طويل في الذات والزمان والمرأة والوطن، إنها تجربة ناضجة، تنبض بالصدق والجرأة، وتكشف عن شاعر متفرّد، يعرف كيف يكتب من قلب الحريق، لا من برودة المراقبة.


محمد علوش، في هذه المجموعة، لا يقدم فقط قصائد، بل يقدّم قلبه وروحه وتاريخه الشعري والسياسي والعاطفي في آن، في نصوصٍ تصلح أن تُقرأ مرة للتأمل، ومرة للبكاء، ومرة للحب، ومرة للثورة

شاهد أيضاً

حسين الشيخ يبحث مع رئيس البعثة الألمانية الأوضاع السياسية في لقاء وداعي بمناسبة انتهاء مهامه

حسين الشيخ يبحث مع رئيس البعثة الألمانية الأوضاع السياسية في لقاء وداعي بمناسبة انتهاء مهامه

شفا – التقى نائب رئيس دولة فلسطين السيد حسين الشيخ، اليوم في مكتبه بمدينة رام …