5:29 مساءً / 6 يوليو، 2025
آخر الاخبار

مبادرة الحضارة العالمية .. من بكين يُخاطب ضميرُ العالم ، بقلم : محمد علوش

مبادرة الحضارة العالمية .. من بكين يُخاطب ضميرُ العالم ، بقلم : محمد علوش

حين تنطق الحضارة من أرض عرفت الصمت الطويل، لا تفعل ذلك لتستعرض القوة، بل لتعيد إلى العالم ذاكرته، ومن الصين، التي نحتت تاريخها بالحكمة، لا بالسيف، خرجت “مبادرة الحضارة العالمية” على لسان الرئيس شي جين بينغ، لا كخطبة رسميّة، بل كدعوة كونية إلى العقل والضمير والعدل.

في زمنٍ باتت فيه القيم تُسعّر بالدولار، والمبادئ تُعدّل وفق مصالح القوى الكبرى، ينهض صوت بكين لا ليُملي، بل ليُذكّر، أن العالم ليس ساحة صراع، بل بيت مشترك، وأن الحضارات ليست مشاريع للهيمنة، بل جداول تصبّ في نهر واحد، اسمه الإنسانية.

فلسفة السلام بدل منطق الهيمنة، ومبادرة الرئيس الصيني ليست نداء عابراً، بل رؤية حضارية شاملة، تؤمن بأن التعدد ليس خطراً، بل ثراء، وأن الحوار بين الأمم هو البديل الوحيد عن الصدام، فلقد تعب العالم من حروب تخاض باسم القيم، بينما تُدار من وراء الستار بيد المصالح العارية.

وفي قلب هذه المبادرة، تبرز فكرة الندية، والاحترام المتبادل، والسيادة غير القابلة للمساومة، وليست الصين بصدد تصدير نموذجها، ولا فرض ثقافتها، بل تدعو إلى عالم يتشارك الخبرة، ويتكامل لا يتصارع، وهي دعوة صريحة لإسقاط منطق “مركز العالم” و”الأطراف التابعة”، واستبداله بعالم متعدد الأقطاب، تتعانق فيه الحضارات بدل أن تتدافع، وتتفاعل بدل أن تتنافر.

ولقد جاء هذا النداء من الصين، لا ليعادي أحداً، بل ليقاوم انحرافاً في ميزان العالم، حيث تسير العولمة بلا روح، وتُقاس القيم بميزان السوق، وتخنق الهويات في قوالب استهلاكية عابرة.

مبادرة الحضارة العالمية ليست مضادة للغرب، بل مناهضة للغطرسة، وللمحاولات الدؤوبة لاحتكار المعنى والسلطة، ففيها دعوة لأن تتساوى الثقافات في كرامتها، لا أن تُختزل كلها في نموذج واحد يُسوّق على أنه “النهاية الطبيعية للتاريخ”، ولأن المبادرة نابعة من رؤية الصين الحضارية، فهي محمّلة بروح “الانسجام دون تماثل” – تلك الفلسفة العميقة التي ترى أن الاختلاف لا يُفسد الاحترام، وأن التنوع ليس تناقضاً بل تجاوراً خلاقاً.

هذا ما نطمح إليه نحو عالم يُنصت لبعضه، في وجه النزاعات، وفي زمن الانقسامات الحادة، حيث تبرز مبادرة الحضارة العالمية كجسر بين الشرق والغرب، بين الشمال والجنوب، بين الدول المتقدمة وتلك التي نُهِبت باسم التقدم.
إنها تقول: فلنكفّ عن تصدير الحروب تحت راية الديمقراطية، وعن إفقار الشعوب باسم التنمية، وعن حصار الأمم بحجة “حماية القيم”، فالقيمة الحقيقية هي في الاعتراف المتبادل، والتكامل دون إذلال، والانفتاح دون إذابة.


فلسطين، والضمير الحيّ في قلب المبادرة، ولأن المبادرة تخاطب الضمير الإنساني، فإنها لا تغفل عن فلسطين، ولا عن القضايا العادلة التي طمست في زحام المصالح، فالصين، التي لم تتورّط في احتلال، ولا في استعمار، تأتي بمبادرة تحترم سيادة الدول، وتقف – بلا مزايدة – إلى جانب الشعوب في تقرير مصيرها.

إن مبادرة الرئيس شي جين بينغ ليست قصيدة في الفراغ، بل اقتراح تاريخيٌّ، يعيد تعريف مفهوم الحضارة في القرن الواحد والعشرين، فالحضارة، كما أرادها، ليست ما تملكه، بل ما تمنحه للعالم، هي العدل، حين يُقابل الظلم، والحوار، حين يعلو صوت الرصاص، والسلام، حين يصبح الحلم الوحيد الممكن.

إننا لا نحتاج إلى حضارة أقوى، بل إلى حضارة أصدق، ومبادرة الحضارة العالمية تضع حجر الأساس لعالم لا يُدار بالخوف، بل بالثقة، لا بالقوة، بل بالاحترام، لا بالاستعلاء، بل بالإنصات العميق.

شاهد أيضاً

جمعية المواساة تنظم عصرونية دعماً لبرامجها التربوية والاجتماعية

جمعية المواساة تنظم عصرونية دعماً لبرامجها التربوية والاجتماعية

شفا – د. وسيم وني ، في إطار دعم الأنشطة التربوية والاجتماعية لجمعية المواساة في …