2:19 مساءً / 15 يونيو، 2025
آخر الاخبار

المرأة الأرثوذكسية بين الموروث والحداثة ، بقلم : رانية مرجية

رانية مرجية
رانية مرجية

المرأة الأرثوذكسية بين الموروث والحداثة ، بقلم : رانية مرجية

في الزوايا المنسية من بيوت الناصرة والقدس وبيت جالا، وفي تفاصيل الأيقونات التي تزيّن الجدران، كانت المرأة الأرثوذكسية دومًا حاضرة… لا كظل للرجل، بل كضوء يُضيء المسار، وكقلبٍ يُقاوم بصمته، ويؤسّس للغد من دون ضجيج.

المرأة الأرثوذكسية، تلك التي عاشت بين الأيقونة والمذبح، بين التقاليد الصارمة والمحبة اللامتناهية، وجدت نفسها دائمًا على مفترق طرق: أن تبقى وفية لموروثها الغني، دون أن تتنكر لذاتها، وأن تفتح نافذتها للحداثة دون أن تنفصل عن جذورها العميقة في الأرض والكنيسة والتاريخ.

ليست الأرثوذكسية طقسًا فقط، بل هي أسلوب حياة.
والمرأة الأرثوذكسية، بتواضعها وصبرها، كانت دومًا العمود الصامت الذي حمى البيت، وسند الرعية، وروح الكنيسة التي لا تراها العيون لكنها تحسّها القلوب.

في موروثها، تحمل هذه المرأة إرثًا ثقيلاً: خيوط المطرزات التي تحكي سيرة القرى، صوت الجدة وهي تهمس بصلاة يسوعية قبل النوم، دموع العيد، ودم الخبز المجبول بالمحبة والرجاء.

لكنها، في الوقت ذاته، لم تكتفِ أن تكون حارسة للتراث فحسب.
لقد بدأت، في العقود الأخيرة، تكتب قصتها بأحرف جديدة. دخلت الجامعات، وتبوأت مراكز قيادية في المجتمع والكنيسة، وأصبحت فاعلة في المجالس والمؤسسات.
لا لتغيّر وجه الكنيسة، بل لتكشف وجهها الأعمق: وجه العدالة، والرحمة، والشراكة.

المرأة الأرثوذكسية ليست محكومة بالنمطية. فهي ليست فقط الأم المربية، أو الراهبة الصامتة، أو العجوز التي تصلي في الصفوف الخلفية.
بل هي أيضًا الكاتبة، والباحثة، والمحامية، والناشطة، والمُعلّمة التي تُربي أجيالًا من الحالمين في مدارس الكنيسة.

لقد خرجت من عزلتها، لا كتمرّد، بل كاستعادة لصوتٍ لم يكن غائبًا، بل كان يُهمَّش.
واليوم، ها هي تتقدم الصفوف في ساحات الكنيسة، لا لتحتج، بل لتشارك.
لا لتهدم، بل لتبني.
ولا لتلغي الرجل، بل لتكمّله كما كانت تفعل منذ قرون في ظل الأيقونة.

لكن التحدي ما زال قائمًا.
فبين موروثٍ جميل لكنه أحيانًا يُقيد، وحداثة منفتحة لكنها أحيانًا تُفرغ المعنى، تقف المرأة الأرثوذكسية اليوم أمام سؤال وجودي:
كيف تحمي جوهرها دون أن تُجمّد ذاتها؟
وكيف تواكب زمنها دون أن تفقد نكهة ماضيها؟

الجواب ليس بسيطًا، لكنه موجود في عيني كل امرأة تقف بثوبها الأسود أمام مذبح الكنيسة، وتشعل شمعة من أجل كل العالم، ثم تعود لتُعدّ خبزًا لأولادها، وتتابع دروس ابنتها، وتكتب ملاحظة لأحد كهنة الرعية تُطالبه بأن يسمع النساء أكثر، لا لأنهن نساء، بل لأن لديهن ما يُقال.

نحن، في المشرق، لا نحتاج فقط إلى الاعتراف بدور المرأة الأرثوذكسية، بل إلى تعظيمه، لأن أي كنيسة لا تُنصف نساءها، لا تُنصف نفسها.
وأي مجتمع يُقصي هذه المرأة، يخسر وجهه الحقيقي.

في لحظات التحول هذه التي يعيشها العالم، تبرز المرأة الأرثوذكسية كجسر بين الأصالة والحداثة، بين الصمت والكلمة، بين التاريخ والمستقبل.
وهي، إن بقيت وفية لذاتها، ستكون مفتاح التجدّد الحقيقي للكنيسة والمجتمع معًا.

شاهد أيضاً

مركز الاتصال الحكومي يرصد أهم التدخلات التي نفذتها الحكومة خلال الأسبوع الماضي

شفا – أصدر مركز الاتصال الحكومي تقريرا يُبرز أهم التدخلات التنموية والإصلاحية التي نفذَّتها الحكومة …