
أثر الحوكمة على مشاركة الشباب الفلسطيني في الحياة السياسية العامة ، بقلم : د. علاء سليمان الديك
تمهيد
مصطلح الحوكمة (Governance) يعني مجموعة من الضوابط التي لها أهمية كبيرة في حياة المواطنين، وخاصة أنها تسعى لتحقيق مجموعة من المبادئ وأهمها: شفافية ومساءلة المؤسسات، مشاركة المواطنين في صنع القرار، سيادة القانون وإحترام حقوق الإنسان، وفاعلية أداء الحكومة في تقديم الخدمات للناس. وعليه، فالحوكمة هي أداة لمراقبة نشاط المؤسسة ومتابعة مستوى أداء القائمين عليها في إطار صون وتحقيق المبادئ أنفة الذكر. وبالنظر للحالة الفلسطينية المعقدة نتيجة إستمرار الإحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي الفلسطينية، وحالة الإنقسام الداخلي وغياب الوحدة الوطنية، وإضطراد التحديات الإجتماعية والإقتصادية في فلسطين بسبب إستمرار العوامل أنفة الذكر، فإن فاعلية الحوكمة أو إنعدامها، يلعب دوراً محورياً في تعزيز أو تقييد مشاركة الشباب الفلسطيني في الحياة السياسية العامة. بناءاً على ذلك، فإن العلاقة بين تحقيق فاعلية الحوكمة ومشاركة الشباب في الحياة السياسية العامة في فلسطين، هي علاقة طردية بإمتياز، وبالتالي فإن هناك عوامل داخلية وخارجية تؤثر على فاعلية وجودة هذه الحوكمة، وهذا من شأنه أن ينعكس سلباً على فاعلية ونشاط تلك المشاركة.
والسؤال المطروح للإجابة: كيف تؤثر الحوكمة على مشاركة الشباب الفلسطيني في الحياة السياسية العامة؟
إن ذلك التأثير يأتي من خلال تحليل وتقييم الإطار القانوني والمؤسسي، وتحقيق المساءلة والشفافية، وفاعلية المشاركة المجتمعية، وتحديات اخرى لها علاقة بالإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
وبالحديث عن الإطار القانوني والمؤسسي، فإن دستور دولة فلسطين الذي تم إقراره في المسودة الثالثة أمام المجلس المركزي الفلسطيني في مارس عام 2003، وإلتزاماً بما جاء في المواد (19-23): كل الفلسطينيون سواء أمام القانون، وهم يتمتعون بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الواجبات العامة، دون ما فرق او تمييز في ما بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة، وأن مصطلح الفلسطيني أو المواطن حيثما يرد يعني الذكر والأنثى”. وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية ملزمة وواجبة الإحترام، وتعمل الدولة على كفالة الحقوق والحريات الدينية والمدنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية لكل المواطنين، وتمتعهم بها على اساس المساواة وتكافؤ الفرص، ولا يحرم من حقوقه وحرياته الأساسية أو أهليته القانونية لأسباب سياسية”. ولكل فلسطيني يبلغ الثامنة عشر حق الإنتخاب، ولكل من يحمل الجنسية الفلسطينية حق الترشح لرئاسة الدولة أو المجلس النيابي أو الوزارة أو القضاء، وينظم القانون السن وسائر الشروط اللازمة لتولي المناصب”. وللمرأة شخصيتها القانونية، وذمتها المالية المستقلة، ولها ذات الحقوق والحريات الأساسية التي للرجل وعليها ذات الواجبات”. وللمرأة الحق في المساهمة الفاعلة في الحياة الإجتماعية والسياسية والثقافية والإقتصادية، ويعمل القانون على إزالة القيود التي تمنع المرأة من المشاركة في بناء الأسرة والمجتمع، حقوق المرأة الدستورية والشرعية مصونة ويعاقب القانون على المساس بها، ويحمي حقها في الإرث الشرعي”. (المصدر: دستور دولة فلسطين بجميع تعديلاته حتى تاريخ 4 مايو 2003). وما رافق ذلك من زيادة نسبة تمثيل المرأة 30% في الإنتخابات العامة، المحلية والتشريعية، على سبيل المثال لا الحصر هنا.
في المقابل، فإن الملاحظ أن هناك حالة ضعف في تطبيق هذه القوانين إلى حد ما بسبب الحالة الغير مستقرة للنظام السياسي الفلسطيني، وغياب الوحدة السياسية والجغرافية بين الضفة الغربية وقطاع غزة نتيجة إستمرار حالة الإنقسام الداخلي الفلسطيني، إضافة لإستمرار الإحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي الفلسطينية وما يتبع ذلك من عدم الإستقرار الأمني والسياسي والإجتماعي والإقتصادي للمجتمع الفلسطيني بكل مكوناته. وعندئذ فإن غياب تطبيق الإطار القانون والمؤسسي “بحزم وثبات” تجاه مشاركة الشباب الفلسطيني في الحياة السياسية العامة، وما يرافق ذلك من حقوق وواجبات، يؤثر على جودة وفاعلية حوكمة المؤسسة في هذا الإتجاه.
وفيما يتعلق بموضوع تحقيق المساءلة والشفافية، فإن غياب الانتخابات العامة المنتظمة في الأراضي الفلسطينية، حيث جرت أخر إنتخابات رئاسية وتشريعية عام 2005-2006، من شأن ذلك إضعاف المشاركة السياسية للجميع، بما في ذلك الشباب من كلا الجنسين. إضافة إلى إضطراد المحسوبية في بعض المؤسسات، الأمر الذي من شأنه تهميش بعض الشباب الذين يفتقرون للقنوات النافذة في المؤسسة. وعليه، فإن غياب مبدأ المساءلة والشفافية يعني غياب الحوكمة في عمل المؤسسة، وبالتالي التأثير على مشاركة الشباب في الحياة السياسية العامة في فلسطين.
أما فاعلية المشاركة المجتمعية، فنموذج المجالس المحلية والبلدية يشكل حالة نجاح معقولة إلى حد ما بحيث أتاحت للشباب من كلا الجنسين الإنخراط بمناصب قيادية تتعلق بالمصلحة العامة، ولكن غياب اللامركزية الحقيقة (تأثير مركزية الحزب أو العائلة أو ما شابه) يحد إلى حد ما من تأثيرهم المطلوب. وفيما يتعلق بفاعلية المشاركة بمنظمات المجتمع المدني، التي تلعب دوراً رئيسياً في تمكين وتنمية الشباب عبر برامج التدريب على القيادة بكافة أنواعها، لكنها تواجه قيوداً ملموسة قد تؤثر على تحقيق أهدافها بالمعنى المطلوب في سياق التنمية السياسية والمجتمعية. وعليه، فإن فاعلية المشاركة المجتمعية في هذا الإطار يؤثر بشكل فعال على فاعلية الحوكمة في المؤسسة الفلسطينية، وبالتالي تتأثر نسبة مشاركة الشباب بالحياة السياسية العامة بمدى إرتفاع أو تدني هذه الفاعلية.
وأخيراً، التحديات التي لها علاقة بالإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، فإن هذا الأمر واضح ولا يحتاج للتفسير والتحليل كثيراً، وخاصة أن مرحلة التحرر الوطني الفلسطيني مازالت مستمرة في سبيل الحرية والعودة وتقرير المصير، إلى جانب مرحلة البناء الوطني الديمقراطي. فإستمرار الإحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي الفلسطينية، وسياساته الممنهجة تجاه عدم تعزيز وتجسيد مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة، عامل مهم ولا يمكن تجاهله في موضوع التأثير السلبي على تعزيز فاعلية حوكمة المؤسسة الفلسطينية، وبالتالي التأثير السلبي على موضوع مشاركة الشباب في الحياة السياسية العامة، وخاصة أن دور الأحزاب السياسية قد تراجع في موضوع تحقيق برامجها المدنية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية تجاه الشعب الفلسطيني بشكل ملموس وعملي.
وبالإطلاع على تجربة مشاركة الشباب من كلا الجنسين في الحياة السياسية العامة في فلسطين، لا بد من تقييم وتحليل هذه التجربة من خلال أمرين: الأول، فاعلية الشباب في الحياة السياسية من خلال المشاركة في الإنتخابات الفلسطينية، والأمر الأخر هو دور الأحزاب السياسية في تفعيل مشاركة الشباب في الحياة السياسية. حيث تعد دورية الإنتخابات وإستمراريتها مؤشر مهم على ديمقراطية النظام السياسي الفلسطيني، وبالتالي مؤشر إيجابي على فاعلية مشاركة المواطنين والشباب في العملية الإنتخابية لإختيار ممثليه، وأيضاً الشعور بمسؤولية تجاه المجتمع ومكوناته. وبالحديث عن تجربة الإنتخابات الفلسطينية، فإننا نلاحظ أن مشاركة الشباب في الإنتخابات المحلية على سبيل المثال، لا الحصر هنا، وخاصة أن هناك تأجيل للإنتخابات العامة (الرئاسية والتشريعية) لأسباب مختلفة من أهمها ما يتعلق بإستمرار الإنقسام الداخلي الفلسطيني، هي فعالة إلى حد ما، وتشير الإحصاءات الخاصة بلجنة الإنتخابات المركزية أن هناك تقدماً ملموساً بمشاركة الشباب الفلسطيني في الإنتخابات المحلية سواء بالإنتخاب أو الترشح. في المقابل، فهناك نسبة كبيرة من الشباب من كلا الجنسين قد لا تشارك في الإنتخابات العامة المستقبلية (المحلية، التشريعية والرئاسية) نتيجة الوضع السياسي المتأزم سواء على المستوى الداخلي أو فيما يتعلق بإجراءات الإحتلال الحالية في الأراضي الفلسطينية، وخاصة أن الحالة الميدانية في تصاعد لإمكانية فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية وإعادة إحتلال قطاع غزة من جديد، بحسب تصريحات القادة الإسرائيليين، مما ينذر بإجراءات جديدة خاصة بشؤون الفلسطينيين المستقبلية.
ناهيك عن تردي الأوضاع الإقتصادية وإرتفاع نسبة البطالة بين أوساط السباب من كلا الجنسين، مما قد يدفع الكثير منهم بالتفكير بتوفير لقمة العيش بدلاً من الإنخراط في السياسة.
وفيما يتعلق بدور الأحزاب السياسية الفلسطينية في تفعيل مشاركة الشباب في الحياة السياسية العامة، حيث تعتبر الأحزاب السياسية من أهم أدوات تفعيل المشاركة السياسية لدى الشباب الفلسطيني، وخاصة عندما يرتبط الأمر بالوعي والتأطير السياسي، والمشاركة في وضع السياسات العامة وتعزيز الرقابة على صانعي القرار أولوية لديها بهدف حماية حقوق وإحتياجات الناس التي كفلها الدستور. وبالنظر للحالة الحزبية في النظام السياسي الفلسطيني، فإن غالبية الشباب من كلا الجنسين ترى أن معظم الأحزاب السياسية الفلسطينية لم تحقق برنامجها السياسي والإجتماعي والإقتصادي، وأن هناك غياب للعدالة الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات على مختلف الصعد والمجالات.
فالشعب الفلسطيني بكل مكوناته مازال يناضل ويكافح بهدف تحقيق التحرر الوطني، وكذلك إنجاز مرحلة البناء الديمقراطي والمهني لمؤسسات الدولة الفلسطينية. وعليه، فإن المشاركة الشبابية من كلا الجنسين في الحياة السياسية العامة مرتبطة بشكل فعال بقيام الحركات والأحزاب السياسية الفلسطينية بدورها الحقيقي داخل النظام السياسي الفلسطيني، من خلال قدرة هذه الأحزاب على حل المشاكل الموضوعية والذاتية المتعلقة بعملية المشاركة والتحول الديمقراطي، وكذلك تكريس الممارسة الديمقراطية الحقيقية وتجسيد الرقابة والإحتكام للضوابط التنظيمية الداخلية، إضافة لحمل هموم الناس ومعالجتها أمام أصحاب القرار بدون تردد أو مجاملة لأحد، مما قد يعزز من أدائها ومصداقيتها وتنامي دورها من جديد، وبالتالي تشجيع الشباب على الإنخراط والمشاركة السياسية.
بالمحصلة، فإن فاعلية الحوكمة في إطار العمل المؤسسي والحزبي داخل النظام السياسي الفلسطيني يلعب الدور المباشر والحيوي في تعزيز المشاركة في الحياة السياسية لدى الشباب من كلا الجنسين، وبالتالي فإن هذا يتطلب تعزيز حالة الديمقرطية والحريات العامة وحماية المساواة والعدالة الإجتماعية على قاعدة الشراكة والإنتماء للمؤسسة وسيادة القانون حفاظاً على المصلحة العامة.
الخاتمة
إن الحوكمة الفاعلة والناجحة للمؤسسة الفلسطينية (شفافية، مشاركة، مساءلة) هي شرط أساسي لمشاركة فعالة للشباب الفلسطيني في الحياة السياسية والمجتمعية العامة. وعلى الرغم من كافة التحديات المضطردة للحالة الفلسطينية، فإن الشباب الفلسطيني من كلا الجنسين لديهم إصرار “حازم وثابت” على تحقيق المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية والمجتمعية، إيماناً منهم أن تلك مسؤولية وطنية وإجتماعية تجاه وطنهم وقضيتهم العادلة.
في المقابل، فإن ذلك يتطلب من الأحزاب والحركات السياسية والنظام السياسي الفلسطيني تحقيق تقدم حقيقي وملموس تجاه تعزيز إصلاحات حزبية ومؤسسية ومجتمعية تدعم حقوق وإحتياجات الشباب والناس وفق ما نص عليها الدستور والقانون، وتزيل العقبات أمام طموحاتهم وتطلعاتهم المستقبلية في الإجتهاد والعمل والبناء، وخاصة أن الشعب الفلسطيني مازال يناضل لإنجار مرحلة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي لمؤسسات الدولة الفلسطينية المستقبلية على حد سواء.
- – د. علاء سليمان الديك – باحث بالشأن الصيني والعلاقات الدولية