
ياسوف ، قرية النبي يوسف بين خصب الأرض واعتداء الاستيطان ، بقلم : د. عمر السلخي
التسمية… من يشوب إلى ياسوف
تعود تسمية قرية ياسوف إلى جذور تاريخية ضاربة في القدم، إذ يُرجع الباحثون الاسم إلى كلمة يشوب، وهي اسم لقرية يونانية قديمة أُقيم التجمع الحالي على أنقاضها، وقد ارتبط اسم يشوب آنذاك بالنبي يوسف عليه السلام، حيث تُشير الروايات إلى أنه استراح في هذا المكان، قبل أن تتعرض التسمية للتحريف اللغوي عبر الزمن لتصبح ياسوف بصيغتها المعروفة اليوم، وقد وصف ياقوت الحموي القرية في كتبه بكثرة الرمان، في دلالة واضحة على خصوبة أرضها وغنى بيئتها الزراعية، وهو وصف لا يزال ينسجم مع واقعها الطبيعي حتى اليوم.
الموقع والحدود… إطلالة عالية ومكانة استراتيجية
تقع قرية ياسوف إلى الشمال الشرقي من مدينة سلفيت، على بُعد 6 كيلومترات هوائيًا عنها، وترتفع نحو 575 مترًا عن سطح البحر، ما يمنحها إطلالة واسعة على محيطها الجغرافي، ويحدها من الشرق قرى يتما وزعترة والساوية، ومن الجنوب قريتا الساوية وإسكاكا، ومن الغرب قرية إسكاكا وبلدة جماعين، ومن الشمال بلدة جماعين وقريتا بيتا وزعترة، وقد أسهم هذا الموقع المرتفع في تشكيل هوية ياسوف الزراعية والدفاعية عبر التاريخ، لكنه في الوقت ذاته جعلها هدفًا لأطماع التوسع الاستيطاني.
المعالم التاريخية… ذاكرة المكان الحيّة
جناين ياسوف… سبعون دونمًا من الخصوبة
تقع جناين ياسوف جنوب غرب البلدة القديمة، وتمتد على مساحة تقارب 70 دونمًا من الأراضي المزروعة بالتين والحمضيات والرمان واللوزيات. وسُميت بهذا الاسم لخصوبة تربتها وإطلالتها الجميلة، إذ ترتفع نحو 550 مترًا عن سطح البحر، وتُعد الجناين من أجمل المواقع الطبيعية في القرية، لما توفره من مشهد بانورامي للأراضي الزراعية المحيطة، ما يجعلها موقعًا مؤهلًا للاستثمار كمتنزه سياحي بيئي.
الينابيع… نقاء الماء وذاكرة الحياة
تضم ياسوف خمسة ينابيع رئيسية هي: عين أبو الرجا، بئر التوتة، بئر الحمام، العين الوسطى، والعين الشرقية، وتُعرف جميعها بنقاوة مياهها. وقد كانت هذه الينابيع في الماضي المصدر الأساسي لتزويد ياسوف والقرى المجاورة بالمياه، ولا يزال نبع الدلبة يُستغل حتى اليوم في ري الأراضي والبساتين المزروعة بالأشجار، محافظًا على دوره الحيوي في الحياة الزراعية للقرية.
تل أبو الزرد… موقع أثري يطل على التاريخ
يقع تل أبو الزرد جنوب غرب قرية ياسوف، على بُعد نحو 800 متر من مركزها، ويرتفع قرابة 680 مترًا عن سطح البحر، وتبلغ مساحته بحسب الترسيم البريطاني 31 دونمًا. وقد أُدرج الموقع على الخرائط منذ عام 1872 ضمن مسح غرب فلسطين، ويُعرف التل في المصادر التوراتية باسم تبواح، ويُعتقد أنه ذُكر في مخطوطات قمران، وفي أعلى التل مقام ديني عبارة عن مسجد قديم يُعرف باسم مقام أبو الزرد، وكان يُستخدم قديمًا كنقطة شرطية لتبادل الإشارات والتخابر والتحذير، وتشير المسوحات الأثرية إلى أن التل يحتوي على طبقات أثرية متعددة تعود إلى العصر البرونزي المبكر الثاني، والوسيط والمتأخر، والعصر الحديدي، وصولًا إلى الفترة البيزنطية، وتتمثل هذه الفترات في بقايا أساسات وأبنية وتحصينات منتشرة في أنحاء الموقع. وقد جرى تسجيل التل على اللائحة الوطنية للآثار والتراث الثقافي الفلسطيني كموقع مهم قابل للتحويل إلى حديقة أثرية.
البلدة القديمة… عمران صامد وترميم واعٍ
لا يزال المركز التاريخي لياسوف محافظًا على نسيجه العمراني التقليدي، حيث تتوزع البيوت والعلالي، منفصلة أحيانًا ومتلاصقة أحيانًا أخرى، بمحاذاة عين الدلبة وبالقرب من الجناين، وقد شهدت البلدة محاولات جادة لإعادة استخدام المباني التاريخية وترميمها، من أبرزها:
تم ترميم نادي ياسوف الرياضي في كانون الثاني 2011، وهو مجموعة بيوت قديمة كانت سكنية، بمساحة بناء بلغت 390 م² وساحة بمساحة 125 م²، وأُعيد استخدامها مقرًا للنادي، كما جرى ترميم مضافة ياسوف في أيلول 2011، وهي بيت قديم بمساحة بناء 130 م² وساحة 110 م²، وأُعيد استخدامها كمضافة عامة، قبل أن يتحول المبنى في نهاية عام 2017 إلى مقهى يخدم أبناء البلدة وزوارها.
المدافن… كهوف تحكي الفروق الاجتماعية
تتركز المدافن في الجهة الشمالية الشرقية للقرية، في منطقتي المشرفة وخلة أبو زعيم، وتتوزع على أطراف الوادي أسفل الجبل من الجهتين. وهي عبارة عن مغاير منحوتة في الصخر، تتخذ شكلين رئيسيين:
أحدهما مربع وله بابان ويتكون من عدة حجرات، والآخر ذو باب مقوس، وهو ما يُرجّح ارتباط هذه الاختلافات بالطبقات الاجتماعية التي سكنت المنطقة في فترات تاريخية مختلفة.
أثر الاستيطان على ياسوف… الأرض تحت النار
تعاني قرية ياسوف من اعتداءات استيطانية متواصلة، خاصة من قبل مستوطني مستوطنتي رحاليم وتفوح والبؤر الاستيطانية المحيطة بها، والتي شكّلت خلال السنوات الأخيرة مصدر تهديد مباشر لأراضي القرية وسكانها، فقد تعرضت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، خصوصًا بساتين الزيتون، لعمليات تجريف وحرق وقطع متعمد للأشجار، إلى جانب الاعتداءات المتكررة على المزارعين أثناء وصولهم إلى أراضيهم.
كما فُرضت قيود مشددة على استخدام الأرض، ومنع استصلاح مساحات جديدة بحجج أمنية، في وقت تتوسع فيه المستوطنات على حساب الأراضي الفلسطينية، ولم تقتصر آثار الاستيطان على الخسائر الاقتصادية، بل طالت النسيج الاجتماعي والنفسي للسكان، الذين باتوا يعيشون تحت تهديد دائم، في محاولة لفرض واقع قسري يدفع نحو تفريغ الأرض من أصحابها.
ياسوف… قرية تحمي التاريخ بالأرض
بين تلٍ أثري يختزن آلاف السنين من الحضارات، وجناين ما زالت تنبض بالحياة، وواقع استيطاني يحاول اقتلاع الإنسان من جذوره، تقف ياسوف اليوم كإحدى قرى محافظة سلفيت التي تخوض معركة الوجود اليومية، فهي قرية تحرس تاريخها بالزراعة، وتحمي هويتها بالصمود، وتؤكد أن الأرض التي مرّ بها الأنبياء، لا يمكن أن تُمحى بيد المستوطن أو تُختزل بخارطة مفروضة بالقوة.




شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .