12:12 مساءً / 29 ديسمبر، 2025
آخر الاخبار

مؤسسة تمكين: نحو عدالة اجتماعية وحوكمة رشيدة في إدارة المال العام الفلسطيني ، بقلم : علاء عاشور

مؤسسة تمكين: نحو عدالة اجتماعية وحوكمة رشيدة في إدارة المال العام الفلسطيني ، بقلم : علاء عاشور

في ظلّ تعقيدات الواقع الفلسطيني، وتراكم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تبرز الحاجة الماسّة إلى إعادة النظر في آليات إدارة المال العام، ليس من باب التقليل من تضحيات أي فئة، بل من منطلق العدالة الاجتماعية، والحوكمة الرشيدة، وصون كرامة المواطن الفلسطيني أينما كان.


من هنا، يمكن النظر إلى مؤسسة تمكين الفلسطينية بوصفها أداة إصلاحية ضرورية، لا تهدف إلى مصادرة الحقوق، بل إلى إعادة ترتيب الأولويات وفق معايير موضوعية تنطلق من الواقع المعيشي الفعلي للمواطن، لا من الرمزية السياسية وحدها.


أولًا: بين النضال والاستحقاق المالي
لا خلاف على أن قضية الأسرى تمثّل أحد أكثر ملفات النضال الفلسطيني قداسةً ورمزية، ولا يمكن لأي خطاب وطني عاقل أن ينتقص من تضحيات من واجهوا الاحتلال ودفعوا أعمارهم خلف القضبان. غير أن النضال، في جوهره الأخلاقي، لا يُختزل في المقابل المادي، ولا يتحول إلى وظيفة ذات امتيازات مالية متضخّمة.


إن تحويل فعل المقاومة – مهما كان شكله – إلى باب مفتوح للرواتب المرتفعة والدائمة، يطرح إشكاليات أخلاقية ووطنية عميقة، إذ:
يربك مفهوم التضحية الخالصة.
يخلق فجوة اجتماعية غير مبرّرة بين فئات الشعب.
يحمّل الخزينة العامة أعباء لا تتناسب مع الواقع الاقتصادي المنهك.
فالذي ناضل بحق، لم يفعل ذلك انتظارًا لراتب، بل دفاعًا عن كرامة وطن، وعن مستقبل شعب بأكمله، بمن فيهم الفقراء والمهمّشون والعاطلون عن العمل.
ثانيًا: العدالة الاجتماعية لا تعني المساواة العمياء


العدالة الاجتماعية لا تقوم على توزيع المال وفق الشعارات، بل وفق الحاجة الفعلية والمعايير المعيشية. فلا يعقل أن:
تتقاضى بعض الفئات رواتب ثابتة تفوق متوسط دخل الموظف أو العامل.


في الوقت ذاته، تعيش أسر بأكملها تحت خط الفقر، بلا تأمين صحي، أو فرص عمل، أو ضمان اجتماعي.
إن التوازن في توزيع الثروة ليس ترفًا فكريًا، بل شرطًا لبقاء المجتمع متماسكًا. فحين يشعر المواطن العادي بأن المال العام لا يُدار بعدالة، تتآكل الثقة بالمؤسسات، ويتحوّل الغضب الاجتماعي إلى قنبلة صامتة.
ثالثًا: مؤسسة تمكين كإطار للحوكمة الرشيدة
هنا تتجلى أهمية مؤسسة تمكين، ليس كجهاز عقابي أو أداة إقصاء، بل كـ:
منصة تقييم موضوعي للاحتياجات.
آلية لترشيد الإنفاق العام.
جسر بين الدعم الاجتماعي والاستحقاق الحقيقي.
يمكن لمؤسسة تمكين أن تقوم على معايير واضحة، مثل:
الوضع الاقتصادي للأسرة.
عدد المعالين.
الحالة الصحية.
فقدان المعيل أو القدرة على العمل.
وبذلك يتحوّل الدعم من امتياز سياسي إلى حق اجتماعي عادل، يخضع للمراجعة الدورية، ويُدار بشفافية، بعيدًا عن الشعبوية أو الابتزاز العاطفي.
رابعًا: المال العام أمانة لا غنيمة


إن أخطر ما يهدد المشروع الوطني الفلسطيني اليوم، ليس فقط الاحتلال، بل الخلل الداخلي في إدارة الموارد. فالمال العام ليس غنيمة تُوزّع لإرضاء فئة أو شراء ولاء، بل أمانة في عنق السلطة، ومقدّس بقدر قداسة الدم الذي سُفك.
إن أي سلطة لا تُخضع إنفاقها لمعايير الحوكمة، والمساءلة، والتوازن الاجتماعي، تفقد تدريجيًا شرعيتها الأخلاقية، مهما رفعت من شعارات.
خامسًا: نحو عقد اجتماعي فلسطيني جديد


إن المطلوب اليوم ليس شيطنة الأسرى، ولا تبرئة السلطة، بل إعادة صياغة عقد اجتماعي جديد يقوم على:
تقدير النضال دون تحويله إلى طبقية مالية.
حماية الفقراء دون تسييس فقرهم.
دعم الأسر المتضررة فعليًا، لا شكليًا.
ترسيخ مبدأ أن الوطن يتّسع للجميع بعدالة، لا بامتياز.


خاتمة


إن مؤسسة تمكين، إذا أُديرت باستقلالية وشفافية، يمكن أن تكون محطة مفصلية في مسار الإصلاح الفلسطيني، ورافعة حقيقية لحوكمة رشيدة تعيد الاعتبار لفكرة الدولة، لا كجهاز رواتب، بل ككيان أخلاقي يوازن بين التضحية والعدالة، وبين الرمزية الوطنية وكرامة العيش.


ففلسطين لا تحتاج إلى مزيد من الشعارات، بل إلى نظام عادل يُنصف الإنسان قبل الرمز، والحق قبل الهتاف .

شاهد أيضاً

أسعار الذهب اليوم الأثنين

أسعار الذهب اليوم الأثنين

شفا – جاءت أسعار الذهب اليوم الأثنين 29 ديسمبر كالتالي :عيار 22 93.700عيار 21 89.400