
فلسطين ، حصاد عام 2025 ، عامٌ كُشِف فيه المستور ، وبقي القرار معلّقًا ، بقلم: المهندس غسان جابر
في نهاية عام 2025، لا تحتاج فلسطين إلى مؤرّخٍ محايد، بل إلى شاهدٍ صادق. هذا ليس عامًا يُختصر بتقرير، ولا يُقاس بعدد البيانات ولا بعدد المؤتمرات. هذا عام يُقاس بكمّ الخذلان، وبقليلٍ عنيد من الأمل، وبأسئلةٍ كبرى ظلّت بلا أجوبة لأن أحدًا لا يريد أن يجيب.
كان 2025 عامًا صريحًا، فاضحًا، بلا مجاملات. عامًا اكتشف فيه العالم ضميره للحظة… ثم نسيه على الطاولة وهو يغادر القاعة.
الاعتراف الدولي: دولة في الخطاب… وشعب في العراء
شهد هذا العام توسّعًا في الاعتراف الدولي بدولة فلسطين. أعلام رُفعت، وخطب أُلقيت، وقرارات صيغت بعناية لغوية عالية. ظنّ البعض أننا نقترب من لحظة تاريخية، لكن الحقيقة كانت أبسط وأقسى: الاعتراف الذي لا يحمي طفلًا، ولا يفتح معبرًا، ولا يوقف قذيفة، يبقى اعترافًا بلا روح.
العالم أحبّ فلسطين هذا العام، لكن من مسافة آمنة. أحبّها في القاعات المكيفة، لا في الميدان. أحبّها كفكرة عادلة، لا كمسؤولية سياسية. قال لنا: «أنتم أصحاب حق»، ثم أضاف بصمت: «لكن لا تطلبوا منا أن ندفع ثمن هذا الحق».
غزة: حين يُدار الموت بدل إيقافه
في 2025، لم تعد غزة حالة إنسانية طارئة، بل اختبارًا أخلاقيًا دائمًا. العالم تعامل معها كما يتعامل مع كارثة طبيعية، مع أن الجريمة لها عنوان، ومرتكبها معروف.
غزة لم تكن تطلب المستحيل، بل تطلب ما هو بديهي: أن تتوقف عن كونها ساحة مفتوحة لكل أنواع التجريب العسكري والسياسي.
صار إدخال المساعدات إنجازًا، وصار الخروج من تحت الأنقاض خبرًا سعيدًا. هكذا، ببساطة، انخفض سقف الحياة. وحين ينخفض سقف الحياة، لا يكون الخطر في الموت فقط، بل في اعتياده.
أجراس الميلاد في غزة: الإيمان حين يصير موقفًا
حلّت أعياد الميلاد هذا العام على غزة مثقلة بالمعنى. الكنيسة فتحت أبوابها لا للاحتفال فقط، بل لتعلن أن هذا المكان لم يُمحَ.
رنّت الأجراس وسط الركام، لا لتبشّر بسلامٍ قريب، بل لتذكّر العالم بأن رسالة الميلاد لا تُقرأ من دون عدالة. السيد المسيح وُلد لاجئًا، وغزة اليوم تذكير حيّ بأن الظلم لا يزال يتقن إعادة إنتاج نفسه.
في غزة، كان الاحتفال فعل شجاعة، وكانت الصلاة فعل مقاومة، وكان البقاء ذاته موقفًا سياسيًا.
حين تتكلم الأسماء بدل الأرقام
في هذا العام، فشلت لغة الإحصاءات. الأرقام تشابهت، وفقدت قدرتها على الصدمة. فجاءت الأسماء لتفعل ما لم تفعله التقارير.
الدكتور حسام أبو صفية لم يكن مجرد طبيب، بل صورة مكثفة عن إنسان يؤدي واجبه في عالم تخلّى عن واجباته. وقف في مواجهة المستحيل، بلا ضجيج، بلا شعارات، فقط لأن هذا ما يجب أن يُفعل.
وهند رجب… الاسم الذي اخترق الضمير العالمي للحظة. طفلة واحدة أربكت خطاب القوة، وكشفت هشاشة النظام الدولي. سُمعت قصتها في كل مكان، لكن القرار لم يسمعها. العالم تعاطف… ثم واصل حياته.
ماذا قدّم العالم لغزة؟
قدّم العالم تعاطفًا واسعًا، لكنه قدّم فعلًا محدودًا. أرسل مساعدات، لكنه أبقى الحصار. طالب بالتهدئة، لكنه لم يفرض وقفًا حقيقيًا للنار.
العالم لم يكن عاجزًا، بل اختار أن يكون متواطئًا بالصمت. والحياد في لحظة الظلم الفادح ليس موقفًا أخلاقيًا، بل انحياز مقنّع.
الفصائل: تضحيات بلا مظلّة جامعة
لا يمكن التقليل من حجم التضحيات، ولا من قسوة المواجهة. لكن 2025 كشف بوضوح أن التضحية وحدها لا تكفي إن لم تُدار ضمن مشروع وطني موحّد.
الفصائل قدّمت صمودًا، لكنها لم تقدّم حتى الآن إطارًا جامعًا قادرًا على تحويل الصمود إلى مسار سياسي واضح. كثرت البيانات، وقلّت الثقة، وبقي المواطن هو الحلقة الأضعف.
غزة أكبر من أي فصيل، وأثقل من أي حسابات ضيقة، وأصدق من كل الشعارات.
أين اليسار الفلسطيني؟
اليسار حاضر في الضمير، لكنه غائب عن التأثير الشعبي الواسع. يمتلك قراءة نقدية دقيقة، لكنه لم ينجح بعد في تحويلها إلى قوة اجتماعية منظّمة.
عام 2025 لم يكن عامًا للترف الفكري. كان عامًا يطلب الوضوح، والانحياز الصريح للناس، والقدرة على الاشتباك مع الواقع لا الاكتفاء بوصفه.
انتخابات 2026: ضرورة لا رفاهية
مع اقتراب 2026، عاد سؤال الانتخابات. السؤال ليس هل نريدها، بل هل نملك الشجاعة لخوضها؟
الديمقراطية في الحالة الفلسطينية ليست ترفًا، بل حاجة وطنية لإعادة بناء الشرعية. نعم، الظروف صعبة، لكن تأجيل الانتخابات بحجة الظروف يعني القبول بالشلل الدائم.
الانتخابات ليست نهاية الطريق، لكنها بداية ضرورية لإعادة ترتيب البيت الداخلي، إن توفرت الإرادة وقبول الشراكة.
نقول : كلمة لا بدّ منها
2025 علّمنا درسًا قاسيًا: لا أحد سينقذ فلسطين نيابةً عنّا. العالم قد يتعاطف، وقد يعترف، لكنه لن يقاتل معاركنا السياسية ولا يبني وحدتنا.
فلسطين لا تحتاج مزيدًا من الخطب، بل إلى قرار وطني شجاع، وإلى قيادة تسمع الناس قبل أن تخاطب العالم، وإلى فصائل تفهم أن التاريخ لا يرحم المراوحة.
أنا لا أكتب هذا المقال لأرثي عامًا مضى، بل لأدقّ ناقوس عام قادم. 2026 يجب ألا يكون نسخة مكرّرة من الخيبة.
إما أن نكون على مستوى الدم الذي دُفع، والوجع الذي تراكم، والتضحيات التي لا تُحصى…
أو نترك فلسطين معلّقة بين اعترافٍ لا يحميها، وانقسامٍ ينهكها، وصمتٍ دوليٍّ يجيد فنّ التبرير.
هذا ليس خطابًا، بل موقف.
ومن لا يملك موقفًا واضحًا في هذه اللحظة، لن يكون له مكان في الصفحة القادمة من تاريخ فلسطين.
- – م. غسان جابر – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .