6:10 مساءً / 7 ديسمبر، 2025
آخر الاخبار

ديراستيا ، بلدة التاريخ والمياه والكروم في مواجهة الاستيطان ، بقلم : د. عمر السلخي

ديراستيا ، بلدة التاريخ والمياه والكروم في مواجهة الاستيطان

ديراستيا ، بلدة التاريخ والمياه والكروم في مواجهة الاستيطان ، بقلم : د. عمر السلخي


جغرافيا تتقاطع فيها الحكاية والطبيعة


تُطلّ بلدة ديراستيا شمال مدينة سلفيت على ارتفاع يقارب 379 مترًا عن سطح البحر، وتشكل نقطة التقاء طبيعية بين بلدات كفل حارس وحارس وقراوة بني حسان وزيتا جماعين وكفرثلث وعزون، هذا الموقع الحيوي جعلها مركزًا قرويًا قديمًا، تتقاطع فيه الطرق التاريخية والوديان وتنتشر حوله ينابيع الماء التي منحت المكان هويته الزراعية والحضارية.


تعدد روايات التسمية… من السريان إلى التركمان


ترتبط ديراستيا باسم يجمع بين مفردتين: “دير” ذات الأصل الآرامي السرياني وتعني دارة السكن، و”استيا” التي تُرجَّح أن تكون تركمانية بمعنى شيخ صنعة أو اسم قائد مملوكي استشهد في المنطقة. ويشير باحثون آخرون إلى احتمال ارتباط الاسم بكلمة سريانية تعني الحائط. هذا التعدد يعكس تاريخًا طويلًا من الاستقرار البشري والتنوع الثقافي.


البلدة القديمة… معمار حجري ينبض بالحياة


ما تزال البلدة القديمة، التي تمتد على مساحة 32 دونمًا، شاهدة على امتداد حضاري يعود للعصر الحديدي الثاني والفترات الصليبية – الأيوبية والمملوكية والعثمانية، شوارعها الضيقة المسقوفة المعروفة بـ”القصبة”، ومبانيها الحجرية ذات الأحواش المترابطة، والسباطات الأربع التي تشكّل بواباتها الرئيسية، كلها تحمل طابع المكان وروحه، كما تضم البلدة مسجدين تاريخيين: الجامع الغربي الذي يعود بناؤه لعام 1145 هجري، والجامع الشرقي الذي كان في أصله كنيسة بيزنطية.


المقامات والمغاور… طبقات من التاريخ


تزخر ديراستيا بالمقامات مثل مقام الشيخ خاطر والشيخ حسين، إضافة إلى شبكة واسعة من الكهوف والمغر الكلسية التي شكّلت عبر الزمن ملاجئ ومساكن ومخازن وأماكن حراثة، وتبرز مغارة “شقيف عباس” كواحدة من أوسع المغاور في المنطقة بارتفاع يزيد على 40 مترًا، أما “مغارة المغيبة” فتتميز باتساعها وطابقيها وموقعها المشرف على الوادي.


وادي قانا… قلب الطبيعة ومسرح الصراع


يبعد وادي قانا 4 كيلومترات عن البلدة، ويمتد بطول 6 كيلومترات، حيث تنتشر الخرب والينابيع والحقول.
ويمثل الوادي واحدًا من أهم المحميات الطبيعية في الضفة، لكنه في الوقت نفسه بات محورًا لسياسات السيطرة الاستيطانية التي تهدد هويته الزراعية والتاريخية.


ينابيع الماء… شرايين الحياة المتوارثة


تضم ديراستيا عددًا كبيرًا من الينابيع التاريخية: عين المغيبة، عين الحية، عين البنات، عين التنورة، عين البصة، وغيرها من الينابيع التي شكّلت أساس الزراعة وتربية المواشي، إلا أن جزءًا منها تدهور أو تلوث خلال العقود الأخيرة، بفعل اعتداءات المستوطنات ومياه الصرف الصحي.


الاستيطان… خنق تدريجي لهوية المكان


تواجه ديراستيا حصارًا متصاعدًا من المستوطنات المحيطة مثل ياكير ونوفيم وكرني شومرون وعمانوئيل، إضافة إلى بؤر استيطانية تنتشر على المرتفعات المحيطة، هذا الضغط الاستيطاني أدى إلى مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية، خصوصًا في وادي قانا، وتجريف مساحات مزروعة بالزيتون، ومنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم أو استصلاحها، كما تعرضت ينابيع عديدة للتلوث نتيجة ضخ مياه الصرف الصحي من المستوطنات، وهو ما أدى إلى تدهور بيئي واسع، وإلى تقليص مساحة الرعي والزراعة التي تشكل جوهر هوية ديراستيا.


بلدة تقاوم باسم الذاكرة


على الرغم من القيود المفروضة والحصار العمراني والزراعي، ما تزال ديراستيا تقاوم عبر مبادرات الأهالي، والدفاع القانوني عن الأراضي، وحماية الينابيع، واستمرار الزراعة في الوديان، فالبلدة التي عُرفت عبر التاريخ بخصب أراضيها وتعدد ينابيعها وعمق عمرانها، ما تزال اليوم تقف في مواجهة محاولات طمس هويتها عبر الاستيطان، مستندة إلى ذاكرة ممتدة تحافظ عليها الأجيال وتعيد إحياءها.

شاهد أيضاً

حسين الشيخ يلتقي السفير التونسي لدى فلسطين ويبحثان مستجدات الأوضاع في غزة والضفة الغربية

حسين الشيخ يلتقي سفير تونس لدى فلسطين ويبحثان مستجدات الأوضاع في غزة والضفة الغربية

شفا – التقى نائب رئيس دولة فلسطين السيد حسين الشيخ، اليوم الأحد، بالسفير التونسي لدى …