
التطوّع بوصفه حكمة الوجود وميثاق الإنسان مع ذاته والعالم ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني
في اليوم العالمي للتطوّع، نقترب من معنى يتجاوز العمل الاجتماعي إلى سؤالٍ جوهريّ عن طبيعة الوجود الإنساني نفسه: ماذا يعني أن نمنح جزءاً من ذواتنا لغيرنا؟ وهل العطاء فعل خارجي، أم أنّه إعادة اكتشاف للإنسان في أعمق صوره؟
إن التطوّع، حين يُنظر إليه من منظور فلسفي، هو شكل من أشكال الحضور الوجودي؛ حضور لا يقوم على السعي إلى الامتلاك، بل على القدرة على التخلّي الواعي، حيث يدرك الإنسان أن قيمته لا تكتمل إلا بمقدار ما يعيد من خير إلى الفضاء المشترك الذي يعيش فيه. في عالم يعلّمنا أن نغلق أبوابنا ونحرس ذواتنا، يأتي المتطوّعون ليقولوا — بالفعل لا بالكلام — إن الإنسان يتّسع عندما يعطي، وينكمش عندما يحبس الخير داخله.
التطوّع هنا ليس خدمة ولا واجباً، بل موقف فلسفي يرى المجتمع نسيجاً حيّا يتشكّل من شبكة التزامات غير مكتوبة، يرمّم فيها كل فرد جزءاً من هشاشة العالم. وهو كذلك فعل تربوي عميق، يعيد للإنسان علاقته بالمجال العام؛ مجال تتكوّن فيه الأخلاق لا من القوانين، بل من المبادرات الصامتة التي تُبنى بها الثقة، ويعود بها الأمل إلى مساره الطبيعي.
وكل مبادرة طوعية — مهما بدت صغيرة — هي إعلان بأن الإنسان لم يفقد بعد طاقته على تخيّل غدٍ أفضل. ولعل هذا هو جوهر التطوّع: أنه ليس مجرّد مساعدة، بل دعوة غير مرئية لأن نؤمن بأن العالم يمكن أن يُعاد تشكيله، وأن أزماتنا ليست قدراً نهائياً، ما دام بيننا من يمدّ يده للآخر.
إنَّ التطوّع هو الفعل الذي ينقذ المعنى: ينقذ الإنسان من فردانيته المفرطة، وينقذ المجتمع من تآكل تضامنه، وينقذ الزمن من أن يتحوّل إلى جريان بلا أثر. وفي لحظة العطاء، يدرك المرء أنه لا يكون إنساناً تماماً إلا عندما يسمح لقلبه أن ينفتح، ولسلوكه أن يعبّر عن قيمته، ولوجوده أن يترك أثراً يشبه الضوء… قليلاً لكنه كافٍ لتغيير الطريق
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .