
الاتحاد العام لطلبة فلسطين ، ستّةٌ وستّون عاماً ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
ستّةٌ وستّون صفحةً من دفاتر الوعي الوطني، كتَبها الاتحاد العام لطلبة فلسطين بحبر الانتماء، وبصوتٍ ظلّ ثابتاً رغم تغيّر الأمكنة وتبدّل الأزمنة. منذ اللحظة الأولى لتأسيسه، لم يكن الاتحاد مجرّد إطار طلابي، بل كان صورةً مصغّرة عن الهوية الفلسطينية، ومساحةً يلتقي فيها الوجدان بالعلم، والنضال بالفكرة، والحلم بالفعل.
على امتداد ستّةٍ وستّين عاماً، ظلّ الاتحاد ركناً راسخاً في حفظ الذاكرة الوطنية، وتخريج القادة، ونشر الوعي في صفوف الطلبة، وحمل القضية في القاعات كما حملها في الساحات. كان صوتاً للفلسطيني أينما ذهب، ووطناً مؤقّتاً للغربة يرعى أحلام الطلبة ويشدّ على أيديهم في طريق العلم الطويل. فمن بين صفوفه تخرّج قادة، ومربّون، وأطباء، ومهندسون، وحملة رسالة آمنوا بأن التحرير يبدأ من الوعي، وأن العلم هو السلاح الأمتن في وجه كل محاولات الطمس والتشويه.
ولأن الاتحاد لم يكن يوماً مؤسسةً جامدة، فقد بقي مدرسة حيّة للفكر والانتماء. مدرسة تُعلّم الطالب أن فلسطين ليست كلمةً تُقال في مناسبة، بل قضية تُعاش في تفاصيل يومية، في نشاط، في محاضرة، في عمل تطوعي، في مبادرة تُعيد للعالم صورة الفلسطيني المكافح القادر على البناء رغم كل التحديات. ستّةٌ وستّون عاماً كانت فيها شعلة الوعي لا تنطفئ، وراية الإرادة لا تُخفض، وتخريج القادة.
ورغم البعد الجغرافي عن الوطن، بقي فرع ماليزيا مثالاً في الالتزام الوطني. ففي جامعاتها ومؤسساتها حمل الطلبة فلسطين إلى المنابر، وواجهوا الغربة بالعمل، والفقد بالأمل، والشتات بالنجاح. اجتمعوا على كلمة واحدة: أن فلسطين أكبر من حدود، وأن الطالب الفلسطيني هو سفير لوطنه أينما حلّ.
اليوم، ونحن نقف على أعتاب العام السادس والستين، لا نحتفل بالرقم بقدر ما نحتفل بالرسالة. نحتفل بقدرة الاتحاد على الصمود، بآلاف الطلبة الذين مرّوا بين أروقته، بأحلامهم التي حملوها على أكتافهم، وبالإرث الذي تركه الأوائل ليكون شعلةً تُضيء الطريق. إننا نحتفي بتاريخ من الفعل، من التحدي، من التمسّك بالهوية رغم كل محاولات المحو، ومن الإيمان العميق بأن الغد الفلسطيني يُصنع بأيدي أبنائه.
وماضون اليوم بالروح ذاتها، بالعزيمة التي ورثناها عن المؤسسين، وبالإصرار على أن يبقى الاتحاد منبراً لكل طالب، وبيتاً لكل غريب، وذاكرةً حيّة للقضية. نمضي لنصون الإرث، ونصنع أثراً جديداً، ونكتب فصلاً يليق بفلسطين وبطلبتها الذين يرفعون اسمها في كل جامعة، وفي كل محفل، وفي كل خطوة يخطونها نحو العلم والنجاح.
ستّةٌ وستّون عاماً ليست نهاية الحكاية، بل بداية فصل جديد من حضورٍ أقوى، وعملٍ أعمق، ورسالةٍ أوسع. ومهما ابتعدت المسافات، يبقى الوطن حاضراً فينا، وتبقى فلسطين هي البوصلة التي لا تتغيّر.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .