10:27 مساءً / 2 ديسمبر، 2025
آخر الاخبار

دولة المستوطنين في يهودا و السامرة: حين يتحوّل الخيال الاستعماري إلى مشروع دولة فوق الأرض ، بقلم : د. عمر السلخي

دولة المستوطنين في يهودا و السامرة: حين يتحوّل الخيال الاستعماري إلى مشروع دولة فوق الأرض

دولة المستوطنين في يهودا و السامرة: حين يتحوّل الخيال الاستعماري إلى مشروع دولة فوق الأرض ، بقلم : د. عمر السلخي

من الخرافة إلى البنية السلطوية

لم يعد الخطاب الاستيطاني في الضفة الغربية — وتحديدًا في منطقة “يهودا والسامرة” وفق التسمية التوراتية — مجرد أطياف أيديولوجية أو شعارات دينية متطرفة، ففي السنوات الأخيرة، ومع صعود التيارات الدينية–القومية إلى صدارة الحكم في إسرائيل، تحوّل هذا الخطاب إلى مشروع دولة موازية تنمو داخل الضفة الغربية، تمتلك قيادتها الفعلية، وقوانينها الخاصة، وقوتها المسلحة، وشبكات اقتصادها، ودعمًا حكوميًا مطلقًا.

هذه «الدولة» — وإن لم تُعلن رسميًا — تُمارس سيادتها على الأرض، وتفرض نظمها بالقوة، وتختبر شكلًا جديدًا من الكيانية الاستعمارية الاستيطانية التي تتقدّم بخطوات ثابتة نحو الضم الفعلي.

جذور الفكرة – من أساطير الأرض إلى مشروع الهيمنة

تستند “دولة المستوطنين” إلى خليط من الأساطير الدينية والروايات التوراتية التي تعتبر الضفة الغربية «قلب أرض الميعاد».


بحسب هذا التصور، فإن أي وجود غير يهودي يُعد غريبًا ومؤقتًا، بينما المستوطنون يرون أنفسهم جنود الرب المكلفين بتنفيذ الإرادة الإلهية على الأرض.

هذا الوعي الديني ليس مجرد خطاب روحي، بل قاعدة سياسية صلبة تتبنّاها أحزاب كـ”البيت اليهودي”، “الصهيونية الدينية”، و”العظمة اليهودية”، التي باتت تمتلك الوزارات الأكثر تأثيرًا على الأرض: المالية، الأمن القومي، والاستيطان.

الدولة التي تعمل داخل الدولة – بنية الاستيطان كسلطة مستقلة

تشكل المستوطنات اليوم نظامًا إداريًا موازيًا للدولة الإسرائيلية:

  1. مجالس محلية تعمل بسلطوية كاملة

تمتلك المستوطنات مجالس بلدية تُدير شؤونها دون أي تبعية حقيقية للوزارات الاسرائيلية، وتستحوذ على ميزانيات ضخمة للمواصلات، البنية التحتية، الأمن، والتعليم.

  1. ميليشيات منظمة

ظهرت خلال العقد الأخير مجموعات مسلحة كـ”فتية التلال” و”حراس الجبل” و”شبيبة التلال”، تعمل كقوة هجومية متقدمة، تمارس العنف والطرد والحرق بتغطية حكومية.

  1. اقتصاد مستقل

تضم المستوطنات مصانع، مزارع ضخمة، طرقًا استراتيجية، مناطق صناعية، وشبكات نقل متقدمة تموّلها الدولة وتُشيَّد خصيصًا لخدمتها على حساب الأرض الفلسطينية.

هذه البنية تخلق نواة دولة داخل دولة تمتلك مؤسسات وسياسات وشرطة وحماية قانونية، بل وحتى نظامًا قيمياً خاصًا.

استراتيجية التوسع – السيطرة عبر الفعل الميداني

يتصرف المستوطنون بمنطق:


“الواقع على الأرض أهم من القانون ومن المفاوضات ومن الدبلوماسية.”

  1. إقامة البؤر على رؤوس الجبال

تبدأ العملية بكرفان واحد، ثم تتحول خلال شهور إلى عشرة، ثم إلى مستوطنة كاملة مزوّدة بالطرق والكهرباء والماء والحماية العسكرية.

  1. الطرد والتهجير

يجري تنفيذ عمليات طرد تدريجية للفلسطينيين عبر:

هجمات يومية،إحراق المنازل والمزارع،منع الوصول إلى الأراضي،الاستيلاء على الينابيع،تحويل الحياة إلى جحيم لا يُطاق.

  1. تقسيم الكانتونات

تعمل إسرائيل على إحاطة التجمعات الفلسطينية بجدران، بوابات، أبراج مراقبة، وكاميرات، بحيث تتحول القرى إلى جزر معزولة لا يمكن الربط بينها.

البنية الفكرية – سلب الشرعية من الفلسطيني وإزاحته من المكان

يتعامل المستعمر مع الفلسطيني بوصفه ضيفًا أو غريبًا أو عابرًا، رغم وجوده التاريخي والجغرافي العميق.
ويُقدَّم المستوطن على أنه:

صاحب الأرض،ممثل الإرادة الإلهية،المالك الحصري للفضاء والسماء والموارد،هذه العقلية الاستعلائية تُنتج خطابًا يبرّر كل أشكال العنف بما فيها الطرد الشامل، والقتل، والمجازر، والدفع بالهجرة.

خامسًا: مشروع المليون ونصف – هدف ديمغرافي محسوب

الهدف المعلن الذي يكرره قادة الاستيطان هو رفع عدد المستوطنين في الضفة إلى 1.5 مليون خلال 25 عامًا.
يتحقق ذلك من خلال:

مضاعفة المستوطنات القائمة،شرعنة 155 بؤرة غير قانونية،تسهيل الهجرة من الخارج،تقديم حوافز مالية ضخمة للمستوطنين الجدد،وفي المقابل، يجري تنفيذ سياسة «الهجرة المعاكسة» للفلسطينيين بإغراءات مالية أو سياسات الضغط اليومي.

الضمّ الزاحف – لحظة ما بعد أوسلو

في نظر المستوطنين، لم تعد اتفاقيات أوسلو موجودة،تقسيمات A/B/C تنهار تدريجيًا بفعل القوة لا بفعل المفاوضات.

المشاهد على الأرض تقول:

مناطق C تحت السيطرة الاستيطانية المباشرة،مناطق B تُقتحم يوميًا،مناطق A تُحاصر وتُدار من الخارج،هذه الجغرافيا الجديدة تعكس خريطة دولة المستوطنين لا خريطة الضفة الغربية.

غزة نموذج… والضفة هدف

يؤمن المستوطنون أن ما حدث في غزة بعد 2005 — انسحاب ثم حرب دائمة — يجب ألّا يتكرر في الضفة،لذا، فإن استراتيجية الدولة الاستيطانية تقوم على:

منع أي انسحاب،تكريس الوجود العسكري،تثبيت الوقائع الدائمة على الجبال والأودية والسهول،الضفة بالنسبة لهم هي القلب الروحي و«أورشليم العظمى» التي يجب ألا تُفرَّط بها.

قراءة في خيال المستعمر… وجرس إنذار للواقع

ما يسمى بـ«دولة يهودا والسامرة» لا يزال — رسميًا — خيالًا في الخطاب الأيديولوجي.
لكن هذا الخيال يتحوّل يومًا بعد يوم إلى خطاب سياسي، ثم إلى قانون، ثم إلى واقع مادي على الأرض.

إن التحدي الأكبر أمام الفلسطينيين ليس فقط مواجهة عنف المستوطنين، بل تفكيك البنية الكاملة للمشروع الذي يريد أن يُحيل وجودهم إلى مجرد «كانتونات محاصرة» تحت سقف دولة استيطانية دينية مسلّحة.

الضفة الغربية تقف اليوم على مفترق خطير:


إما مستقبل فلسطيني يُصان بقوة الإرادة والعمل الجماعي،أو دولة مستوطنين تتقدّم بخطى ثابتة نحو ابتلاع كل ما تبقى من الأرض.

شاهد أيضاً

حسين الشيخ يهنئ الإمارات بمناسبة اليوم الوطني

حسين الشيخ يهنئ الإمارات بمناسبة اليوم الوطني

شفا – قدم نائب رئيس دولة فلسطين حسين الشيخ، التهاني لدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، …