
انتخابات الهيئات المحلية ، حين يتحول الصندوق إلى ساحة نفوذ عائلية وفصائلية ، بقلم : رامي ابو العسل
مع اقتراب انتخابات الهيئات المحلية في نيسان/أبريل 2026، يعود النقاش حول طبيعة الخيار الانتخابي في القرى والبلدات الفلسطينية: هل نصوّت لمن يمتلك القدرة على خدمة الناس، أم لمن تفرضه العائلة والفصيل؟ ورغم مرور سنوات طويلة على التجربة الديمقراطية، ما زالت البُنى الاجتماعية والسياسية التقليدية تفرض حضورها القوي، فتختطف الصندوق من دوره الحقيقي.
نتائج تُحسم قبل الاقتراع
في عدد كبير من المناطق، لا ينتظر المواطنون يوم الاقتراع لمعرفةهه النتائج؛ إذ تُحسم القوائم مسبقاً في اجتماعات مغلقة تُراعى فيها الحسابات العائلية قبل أي اعتبارات مهنية. ويجري توزيع المقاعد وفق “توازنات” اجتماعية، لا وفق الكفاءة أو السيرة المهنية. هذا الواقع خلق شعوراً عاماً بأن الصوت الفردي غير مؤثر، وأن المعركة محسومة قبل أن تبدأ.
الفصائل السياسية… تثبيت النفوذ بدل إنتاج البرامج
يزداد المشهد تعقيداً حين يدخل العامل الفصائلي بثقله؛ فبدل أن تقدّم الفصائل قوائم مهنية تقدّم حلولاً وخططاً تطويرية، نجدها أحياناً تنحاز لترشيح المقرّبين منها لتعزيز حضورها التنظيمي. وهكذا تتحول المجالس المحلية إلى ساحات نفوذ سياسي، بينما تتراجع قدرة المجلس على اتخاذ قرارات مهنية مستقلة. ومع ضعف المحاسبة الداخلية، تصبح الأخطاء محمية بغطاء سياسي جاهز.
المواطن بين ضغط العائلة واستقطاب الفصيل
أمام هذا المشهد، يجد المواطن نفسه محاصراً: العائلة تطلب الالتزام “بالواجب”، والفصيل يدفع باتجاه “الخيار التنظيمي”. وبين هذا وذاك يتراجع حق الناخب في اختيار من يملك القدرة على الإدارة والتخطيط. النتيجة: فقدان الثقة في العملية الانتخابية، وتكرار تدوير الأسماء ذاتها بلا تغيير حقيقي.
الدور التنموي للهيئات المحلية… الغائب الأكبر
من المفترض أن تكون الهيئة المحلية مؤسسة تنموية قادرة على رسم المستقبل، لا مجرد هيئة خدمات يومية. فهي المسؤولة عن التخطيط العمراني، وتطوير البنية التحتية، وإدارة الأراضي، وابتكار حلول لمشكلات المياه والنفايات والكهرباء، وخلق بيئة اقتصادية محلية جاذبة للاستثمار.
لكن حين يسيطر منطق العائلة والفصيل، يتراجع هذا الدور لصالح إنجازات شكلية وقرارات موسمية تهدف لإرضاء الجمهور لا لخدمته. وهكذا يخسر المواطنون فرصاً تنموية كان يمكن أن تغيّر واقعهم الاقتصادي والاجتماعي.
مجالس مهنية وقوية تستطيع أن تقود تحولات حقيقية في مجالات الطاقة المتجددة، والتنمية الريفية، والتعليم، والبيئة، وإدارة المخاطر، والشراكات مع القطاع الخاص. أما المجالس المحاصصة فتبقى عاجزة عن إنتاج أي رؤية بعيدة المدى.
نحو انتخابات تستعيد معناها
الخروج من هذه الحلقة ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب وعياً عاماً وإرادة جادة للتغيير عبر:
- تبنّي القوائم المهنية ذات البرامج الواضحة والقابلة للقياس.
- منح الشباب مساحة أوسع وإعادة الاعتبار للكفاءات التي تملك المهارات الإدارية.
- الضغط لإيقاف التحالفات العائلية الضيقة التي تُعيد إنتاج الفشل.
- تعزيز المحاسبة المجتمعية ومتابعة أداء المجالس بعد الانتخابات.
فالهيئة المحلية ليست إرثاً عائلياً، ولا ساحة لتصفية الحسابات الفصائلية، بل مؤسسة سيادية صغيرة بحجم القرية وكبيرة بحجم أثرها على حياة الناس. ومن لا يستطيع خدمة المجتمع بكفاءة ونزاهة… لا يستحق مقعداً في مجلسه المحلي.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .