
حصان طروادة والسلام المُوّسع ، دراسة نقدية لاتفاقيات ترامب – نتنياهو ، بقلم: مصطفى عبدالملك الصميدي
يُخبرنا التاريخ، بلسان أساطيره القديمة، أن حصان طروادة لم يكن مجرد حكاية حربية، بل رمزاً خالداً للخديعة التي ترتدي ثوب السلام وتخفي في جوفها أدوات الهدم والسيطرة. واليوم، تحاول اللوبيات الصهيونية استعادة هذا النموذج الرمزي في سياق سياسي معاصر، عبر تسويق ما يسمى باتفاقيات السلام الموسّعة في الشرق الأوسط. فكما ابتكر الإغريق خديعتهم الكبرى عبر حصان خشبي ظاهره الهدية وباطنه الفناء، تمضي إسرائيل ومن يدعمها في تقديم مشاريع سياسية واقتصادية يُروَّج لها باعتبارها حلولاً سلمية بينما تنطوي على أهداف بعيدة عن أي سلام حقيقي، وبالأخص فيما يتعلّق بمدينة غزة ومقاومتها المسلحة.
في هذا الإطار يمكن قراءة مشاريع ترامب ونتنياهو التي قُدِّمت بصيغة مبادرات سلام، لكنها تحمل في طياتها إعادة تشكيل لموازين القوة، وترسيخاً للاحتلال ضمن بنية ” سلام اقتصادي ” يهدف إلى امتصاص الغضب، وتفكيك البنية السياسية للمقاومة، وتمكين التفوق الإسرائيلي على المدى الطويل. إذ إنّ الحديث عن السلام ممن تسبب في قتل وجرح أكثر من مئتي ألف فلسطيني خلال عامين فقط، يبدو مفارقة كبرى تتجاهل جوهر الصراع وتعيد إنتاج خطاب القوة بلبوس دبلوماسي.
ورغم أن الاتفاقيات تُسوَّق على أنها وسائل لتطوير التعاون الاقتصادي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إلا أنها تحمل أهدافاً استراتيجية أعمق تتصل بإعادة توزيع النفوذ السياسي، واستكمال مشروع اللوبي الصهيوني الذي يبقى ناقصاً ما لم تُقَلَّص قدرة حماس على التحكم بقطاع غزة، ويُفرَض ترتيب أمني يضمن لإسرائيل السيطرة الكاملة على الحدود والمعابر والموارد.
أبرز الأهداف التي تسعى الاتفاقيات لتحقيقها:
- نزع سلاح حماس:
وهو البند الأكثر حساسية وخطورة؛ إذ يهدف إلى الحد من قدرات المقاومة، بما قد يولّد ردود فعل فلسطينية واسعة، ويعمّق الانقسامات، ويخلق فراغاً أمنياً طويل الأمد في غزة. - تعزيز سلطة السلطة الفلسطينية:
من خلال نقل الوظائف التنفيذية تدريجياً من حماس إلى السلطة، في محاولة لإعادة صياغة موازين القوى الداخلية بما يخدم الرؤية الأمريكية–الإسرائيلية. - تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني:
عبر مشاريع بنى تحتية واستثمارات مشتركة تحت شعار “السلام الاقتصادي”. غير أن هذه الخطوات تخدم في العمق أهدافاً سياسية بحتة، وتُخضع الاقتصاد الفلسطيني للرقابة الإسرائيلية المباشرة. - إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية:
بتشجيع مزيد من الدول العربية على الاعتراف بإسرائيل، مما يدعم النفوذ الأمريكي–الإسرائيلي في الشرق الأوسط ويحدّ من الدور العربي التقليدي في القضية الفلسطينية.
قراءة نقدية
تبدو هذه الاتفاقيات، عند التمحيص، نسخة سياسية حديثة من أسطورة حصان طروادة: ظاهرها السلم والاستقرار، لكن باطنها إعادة هندسة للواقع الجغرافي والسياسي والاجتماعي لصالح الاحتلال. إنَّ نجاح أي اتفاقية لا يُقاس بقدرتها على إنتاج صورة إعلامية برّاقة، بل بمدى تحقيقها سلاماً حقيقياً للمجتمع المتأثر، وهو ما يبدو بعيد المنال في ظل تجاهل جذور الصراع وحقوق الشعب الفلسطيني.
الخلاصة
تحمل الاتفاقيات الأمريكية–الإسرائيلية أهدافاً أعمق من ظاهرها الدبلوماسي، وهي في جوهرها مشاريع لإعادة ضبط القوة والسيطرة في المنطقة، وبشكل خاص تجاه حركة حماس وقطاع غزة. ومن دون إدراك هذه الأبعاد وتحليلها نقدياً، قد يتحوّل السلام الموسّع إلى مجرد أداة أخرى لإدامة الاحتلال بشكل أكثر بشاعة؛ لا خطوة نحو إنهائه. وهكذا يظهر حصان طروادة مرة أخرى، ليس في شوارع طروادة القديمة، بل في خرائط الشرق الأوسط المعاصر.
- – مصطفى عبدالملك الصميدي – اليمن
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .