
شتاء الأسرى ، بقلم : سماحه حسون
أقْبَلَ الشتاء، وهو يحمل معه بُعدًا جديدًا من معاناة الأسرى. هو فصلٌ تقسو فيه الرياح على كلّ شيء، كما تقسو عليه جدران السجون، فتزيد الألم وتضاعف العزلة. ما أكثر الأيّام التي تمضي في تلك الزنازين، حيث لا تُسمَع سوى أصوات المياه التي تتساقط على الزجاج المكسور، وأصوات الجليد الذي يَكْسُو الأرض بلا رحمة.
أين يذهب الأمل في الليل الطويل؟ هل يكره الأسرى الشتاء؟ أم أنّهم قد ألفوه كما ألفوا قسوة السجون وذلّ الانكسار؟ يتنفسون بردَ الشتاء، فيسكن أجسادهم، لكنهم يرفضون أن يسكن في أرواحهم. يلهثون وراء الدفء، لكن كل دفءٍ يظلّ بعيدًا عنهم، يطاردهم، يتلاعب بهم مثل طيفٍ مستحيل.
الأسير في فصل الشتاء ليس فقط جسده الذي يلتوي من البرد القارس، بل هو قلبه الذي يخفق في عتمة الزنزانة، بعيدًا عن دفء الأحبة، وعن ضوء الشمس الذي يختبئ وراء غيوم الشتاء الثقيلة.
أصوات الأنين في الليل، والهمسات الهادئة التي تختلط برائحة الأرض المبللة بالمطر، تجسد حكاية كلّ أسير. لم يعتادوا على شتاء السجون، ولكنهم تعلّموا كيف يُقاومونه. صبرهم لم يعد مجرد تحمل لبرودة الجو، بل أصبح مقاومة حية لأبشع أنواع القهر.
أين الشتاء من الحرية؟! هذا هو السؤال الذي يرددونه في صمتهم، فكلّ نسمة هواء تمرّ من خلف قضبانهم تذكرهم بمطلبهم الأبدي: أن يعيشوا كما الناس، في دفء ليس فقط من هواء الشتاء، بل من أمل يفتح الأفق أمامهم.
لكن الشتاء لا يرحم. هو أداة أخرى للزمن الذي لا يتوقف، يعاقبهم به الاحتلال، فتسكن برودة أجسادهم وجدانهم. إلا أنّ قلوبهم، رغم البرد، لا تزال تحترق بنار الصمود. لم ولن يكرهوا الشتاء، لأنه رغم قسوته، يظل رمزًا لوجودهم، ولأملهم الذي لا يذبل.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .