
حفار واحد ، وآلاف الشهداء ينتظرون ، بقلم : بديعة النعيمي
بينما ينشغل المحللون حول العالم بقراءة المؤشرات التي قد تنذر باندلاع حرب عالمية ثالثة، تقف غزة في مشهد أقسى مما قد يتخيله هؤلاء. فآلاف الشهداء من أبناءها لا زالت جثامينهم تحت ركام الأبراج والمنازل منذ أكثر عامين.
فها هو محمود بصل المتحدث باسم الدفاع المدني يصرخ في وجه العالم البليد متسائلا هل يعقل أن يظل آلاف الشهداء تحت أنقاض المباني المدمرة في قطاع غزة منذ سنتين، بينما لا تملك طواقم الدفاع المدني سوى حفار واحد فقط للعمل في هذه المهمة الإنسانية الثقيلة؟؟.
تساؤل محمود بصل الذي جاء على هيئة بصقة كبيرة في وجه الحضارة الإنسانية في القرن الواحد والعشرين، ما هو إلا شهادة سياسية على حصار ظالم طال الأموات كما الأحياء. إذ كيف لمؤسسة دفاع مدني في مدينة دمرتها قنابل وصواريخ تقدر بمليارات الدولارات أن لا تمتلك سوى حفار واحد لانتشال عشرات الآلاف من أجساد الشهداء؟ وكيف لهذا الأمر الخطير أن لا يكون سياسة ممنهجة تهدف إلى إدامة الفوضى الإنسانية في غزة؟ وكيف ننكر أن الحفار اليتيم ما هو إلا رمز سياسي لا يقل أهمية عن رمزية الأنقاض نفسها؟، رمز لمدى ما يمكن أن تبلغه سياسات الحصار والتنكيل حتى بما تبقى من الأموات.
وكيف لهذا المشهد أن يعجز عن كشف حجم الهوة بين الخطاب الدولي حول ما يسمى زورا ب “القانون الإنساني” وبين الواقع المرير على أرض غزة؟.
وكيف علينا أن نقنع الشهداء الانتظار حتى يسمح العالم “المتحضر” بإدخال الحفارات لانتشال جثامينهم من تحت الركام قبل أن تتحلل وتختفي ملامحها؟
إننا في أكثر مراحل الإنسانية انهيارا، تلك الإنسانية المزيفة التي طالما تباهت بها الدول التي تنعت نفسها ب”العظمى”.
وأين هي المدعوة ب “المنظمات الدولية” التي صدعتنا بالحديث عن “الشرعية” و”الضبط” و”المحاسبة”، عن توفير مجرد حفارات لانتشال الجثامين. غزة يا عالم يا متحضر لا تطالبكم اليوم بمدن ملاهي لتروح عن أطفالها الذين تغولت حرب الإبادة على نفسياتهم الغضة، غزة فقط تطالب بدفن لائق لشهدائها العالقين تحت ركام الظلم وسادية المشهد.
غزة تطالب اليوم باحترام جثامين تفسخت تحت الأنقاض وأكل منها الذباب حتى شبع، بينما العالم نصفه يتواطأ والآخر يخرس. غزة، تطالب ولا تتسول ضميرا من أحد، هي تفضح وتكشف كما يكشف الضوء ما يختفي خلف الظلام. ومن تحت ذلك الركام الذي يربض على آلاف الشهداء دون رحمه، يتشكل خطاب جديد ويفجر دمامل الخيانة الممتدة.
أما الحفار اليتيم فإنه سيظل واقفا بصمود أمام منظومة كاملة من التقاعس الدولي، فيغدو اللاعب الأكثر بلاغة مما يناقش على موائد السياسة وخطاباتها المتعفنة.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .