2:25 مساءً / 10 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

الفلسطينيون والسيناريوهات المستقبلية ، د. علاء سليمان الديك

الفلسطينيون والسيناريوهات المستقبلية

الفلسطينيون والسيناريوهات المستقبلية ، د. علاء سليمان الديك

رحب الساسة الفلسطينيون بنوايا الرئيس الأمريكي ترامب لتحقيق الأمن السلام والإستقرار في فلسطين والإقليم بحفاوة، بحيث تم نسيان موقفه الحالي والسابق أثناء ولايته الرئاسية الأولى والثانية في دعمه المطلق لإسرائيل بكل الوسائل والإمكانيات المادية والعسكرية، وتجاهل تحقيق الأهداف السياسية للفلسطينيين في كل المناسبات والمحافل الإقليمية والدولية، كاستخدام الفيتو في مجلس الأمن الدولي، ومعارضة أي قرار فيه إجماع دولي يتعلق بالفلسطينيين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو حتى السماح للسياسي الفلسطيني بزيارتها رسمياً.


مؤخراً، تناولت العديد من الوسائل الإعلامية مقترح مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة، حيث تم توزيعه على أعضاء مجلس الأمن الدولي بهدف إنشاء “مجلس السلام” كهيئة إنتقالية لحكم غزة مدتها عامين، وقوة دولية كاملة الصلاحية لتحقيق الأمن والسلام والإستقرار في غزة، مع الأخذ بعين الإعتبار أن هناك توجهات بدعم إقليمي للخطة، علماً أن الخطة لا تتضمن حل سياسي عادل للقضية الفلسطينية وفق مخرجات مؤتمر نيويورك الإخير الذي أكد على حل الدولتين، والإجماع والإعتراف الدولي الذي حصلت عليه فلسطين في دورة إجتماعات الأمم المتحدة.


وعليه، فإن المشهد أصبح واضح بإتجاه الإلتفاف على أي مكتسبات وطنية قد حققها الفلسطينيين، وهذا يقودنا لإستنتاجات هامة من شأنها أن تضعف المشهد السياسي الفلسطيني بشكل أكبر مما هو عليه، وبالتالي فقدان البوصلة في التحكم بمصير وأفاق حل القضية الفلسطينية بشكل دائم، وعندئذ تراجع الموقف الفلسطيني برمته في القدرة على قيادة وصون القرار الوطني المستقل، وهذا من شانه أن يؤثر على المنظومة كمرجعية، والتي لم تحقق للفلسطينيين أهدافهم السياسية في تقرير المصير، خاصة وأن الكل الفلسطيني، على الرغم من تأكيد الساسة الفلسطينيين إلتزامهم المطلق والثابت والغير محدد بسقف زمني بالتفاهمات والإتفاقيات التي لم تعد قائمة أو مهمة بالنسبة لإسرائيل وأطراف أخرى، قد أصبح تحت الإحتلال المباشر. ومن أبرز تلك الإستنتاجات:

  1. إعادة الإعتبار من جديد لإسرائيل على مستوى الإقليم، فمشروع القرار الأمريكي سيساهم في إخراج إسرائيل من تحمل أعباء الإحتلال وممارساته، وسيتحقق ما يريدون دون مشاركة مباشرة، وبالتالي تخفيف الضغط على إسرائيل لحمايتها، وعندئذ إعادة الإعتبار لها على الساحة الدولية.
  2. إعادة تفعيل إتفاقيات التطبيع ما بين دول الإقليم وإسرائيل لتشمل أكثر الدول تأثيراً على المستوى السياسي الإقتصادي في الإقليم.
  3. إنهاء المشروع السياسي برمته، وتحويل القضية لمسألة إدارية وإنسانية ستحتاج فقط لإدراة محلية تحت رقابة إقليمية، وبالتالي التعاطي معها وفق ما يقرره الواقع بهدف الحفاظ على أمن وإستقرار الإقليم وتطلعاته. وعليه فإن إعتماد مشروع القرار الأمريكي سيعيد شرعنة الإستعمار من جديد ولكن بأدوات مختلفة، وهذا سيكون محل إختبار للساسة الفلسطينيين، فهل سيقبلون بذلك!
  4. تسهيل ضم الضفة الغربية لإستشراف إقامة “إسرائيل الكبرى” التي أعلنت عنها إسرائيل في مناسبات عديدة. فالساسة الفلسطينيون أول من رحب بتصريحات الرئيس الأمريكي ترامب التي أعلن فيها رفضه لضم الضفة الغربية مؤخراً، في المقابل فلقد غاب عن أذهانهم أن الإجراءات الأحادية التي تقوم بها إسرائيل في الضفة الغربية تأتي في ظل تجاهل وضوء أخضر أمريكي وغربي لكسب الوقت ومساعدة إسرائيل على فرض الوقائع من جديد، وبالتالي فالأمر مسألة وقت، لذلك حدد القرار المرتقب عام 2027 ليكون عام تحقيق الأمن والسلام والإستقرار والتقدم بالنسبة لإسرائيل وليس للفلسطينيين، وهو عام ميلاد “إسرائيل الكبرى”.
  5. تجسيد فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة بشكل نهائي بهدف إنهاء توحيد الفلسطينيين في مؤسسة وشعب وارض متصلة ومستقلة وذات سيادة، وبالتالي فرض الهيمنة والوصاية عليهم، وعندئذ سيصبح الفلسطيني غير قادر على حكم ذاته وتلبية إحتياجات الناس، وهذا ما نلاحظه من خلال إستمرار إحتجاز أموال الفلسطينيين من قبل إسرائيل، وغياب شبكة أمان مالية إقليمية لتعزيز صمودهم، وعندئذ سيحتاج الفلسطيني لمرجعية إقليمية مستدامة تشرف على حماية ومعالجة إحتياجاته اليومية، مثل الأمن والغذاء والدواء والماء والكهرباء والسفر وما شابه، ليكون تابع وبعيد عن إتخاذ اي قرار سياسي مستقل يخدم مشروعه الوطني.
  6. القضاء على فكرة الوحدة والمصالحة الداخلية الفلسطينية، وهذا الأمر يحقق للحلفاء أمرين: الأمر الأول التأكيد مجدداً على غياب وحدة الفلسطينيين، وبالتالي عدم قدرتهم على إدراة أنفسهم، او بناء مؤسسة ذات برنامج موحد، والأمر الثاني إضعاف جهود الدبلوماسية الصينية “إعلان بكين” لتحقيق الوحدة والمصالحة الفلسطينية، وهذا فيه هدف سياسي بالنسبة لأمريكا وحلفائها في الإقليم، مفاده أن إقليم الشرق الشرق ومحيطه هو منطقة نفوذ أمريكية غربية، وبالتالي أي مجهود شرقي قادم من الصين أو غيرها لن يكتب له النجاح، خاصة بهدف المساعدة في تحقيق التضامن والوحدة بين الفلسطينيين أنفسهم وبالتالي تجاه دول الإقليم، والسبب وراء ذلك أنهم لا يريدون للصين أن يكون لها بصمة نجاح على المستوى السياسي والشعبي في فلسطين والإقليم، فالأمريكي والإسرائيلي والغربي يدركون جيداً أن موقف الصين وفاعلية دبلوماسيتها تجاة تحقيق عدالة القضية الفلسطينية ورفع الظلم عن الفلسطينيين وتحقيق وحدتهم هي مسألة “ثابتة وحازمة ومستدامة” ولن تتزعزع. وعليه فإن مسألة الوحدة الداخلية الفلسطينية ترتبط إرتباط وثيق بتعزيز فاعلية التضامن الإقليمي والدولي لحل القضية الفلسطينية، خاصة عندما يتحد الفلسطينيون في مؤسسة وقانون وحكومة واحدة، وبالتالي الإتفاق على برنامج وطني واحد هدفه تقرير المصير على الأرض الفلسطينية، وهذا فيه دعم قوي لجهود الشركاء والأصدقاء في المحافل الدولية تجاه حل القضية الفلسطينية.
  7. إضعاف التضامن الإقليمي والدولي تجاه الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة، عندما يرحب الساسة الفلسطينيون بجهود الرئيس الأمريكي ترامب أنه صانع الأمن والسلام في فلسطين والإقليم، ويراهنون “بحزم وثبات” من جديد على الأمريكي والغربي لتحقيق أهدافهم السياسية، وهم يدركون أن ذلك لم يتحقق مطلقاً، عندئذ فإن كثير من الدول ستراجع سياساتها تجاه الفلسطينيين، خاصة أن تلك الدول، وهذا بمنطق النظريات السياسية والعلاقات الدولية صحيح، تحدد موقفها بناءاً على الموقف الفلسطيني ذاته، وبالتالي إذا كان الموقف الفلسطيني ضعيف وتابع للموقف الأمريكي والغربي، سيفقد الساسة الفلسطينيون مصداقيتهم عند الكثيرين ممن كرسوا جهدهم خلال السنوات السابقة لمناصرة القضية الفلسطينية والمطالبة بحلها بشكل عادل وشامل ودائم “بحزم وثبات”، متجاهلين وغير مهتمين برد الفعل الأمريكي الغربي نتيجة ذلك الموقف، بسبب إيمانهم القاطع بعدالة القضية وثبات الموقف.


في المحصلة، فإن من يتحمل مسؤولية نجاح أو فشل تلك السيناريوهات السابقة الذكر هم الساسة الفلسطينيون، بمعنى أن المرحلة صعبة ونهائية، وما يحاك في الخفاء أصعب بكثير مما نتوقع، لذلك فإن المطلوب من الساسة الفلسطينيون تحمل مسؤولياتهم الفورية والسعي الفعال لإتخاذ جملة من القرارات المصيرية، وإن لم يفعلوا سيمنحون النجاح لمشروع القرار الأمريكي الغربي، أهمها: الإنتهاء الفوري من المراهنة على الموقف الأمريكي والغربي لتحقيق الأمن والسلام والإستقرار في فلسطين. التنسيق والمتابعة الفورية مع الشركاء والأصدقاء على المستوى الإقليمي والدولي، وبدون إكتراث لأي عقوبات قادمة، لأن فلسطين وشعبها أهم من أي إمتياز، لوضع خطة إستراتيجية مشتركة مفادها أن حق تقرير المصير لفلسطين وشعبها يتطلب حمايته والدفاع عنه وفق كافة الأعراف والقوانين. الدعوة الفورية لإجتماع قيادي يضم الكل الفلسطيني، داخلياً وخارجياً، ليؤكد على فاعلية القرار والموقف الوطني المستقل بعيداً عن الإملاءات والإستقطابات والتجاذبات والمجاملات الإقليمية. التطبيق الفوري لنتائج ومخرجات “إعلان بكين” لإتمام وتحقيق الوحدة والمصالحة الداخلية الفلسطينية. الدعوة الفورية لإتخاذ قرار وطني جدي بالعودة والإحتكام للشعب بهدف إنتخاب قيادته على كافة المستويات، رئاسية وتشريعية ومحلية. القيام بإجراءات فعلية لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس الشراكة الوطنية الحقيقية، بعيداً عن حكم الأفراد والجماعات وأصحاب المصالح، والطلب من الدول المعترفة بفلسطين كدولة، والتي لها بعثات دبلوماسية رسمية لديها ولن تعترف بعد، أن تسمح لكل فلسطيني مقيم فيها المشاركة بالإنتخابات الفلسطينية العامة من خلال القنصليات والسفارات الفلسطينية. تعزيز حوكمة المؤسسة الفلسطينية والتحقق من أداء القائمين عليها لتكون ذات مصداقية ونزاهة لإنفاذ القانون “بحزم وثبات”، فحكم المؤسسة أهم من حكم الأفراد والجماعات وأصحاب النفوذ، كي تصبح فلسطين نموذج في العدل والإنصاف والمساواة بين كافة أفراد الشعب المضطهد والمظلوم.

    • – د. علاء سليمان الديك – باحث ومختص بالشأن الصيني والدولي

    شاهد أيضاً

    رئيس مجلس القضاء الأعلى ووزير السياحة يبحثان الجهود المشتركة لضمان حماية المضبوطات الأثرية

    رئيس مجلس القضاء الأعلى ووزير السياحة يبحثان الجهود المشتركة لضمان حماية المضبوطات الأثرية

    شفا – استقبل رئيس المحكمة العليا محكمة النقض، رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي محمد عبد …