1:13 صباحًا / 3 نوفمبر، 2025
آخر الاخبار

العزلة الإسرائيلية تتسع … والعالم يفتح عينيه على الحقوق الفلسطينية ، بقلم: محمد التاج

العزلة الإسرائيلية تتسع … والعالم يفتح عينيه على الحقوق الفلسطينية ، بقلم: محمد التاج


تعيش إسرائيل اليوم واحدة من أكثر مراحلها عزلة في التاريخ الحديث. لم تعد تلك الدولة التي تعرف في الغرب بوصفها “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، بل باتت تعرف على حقيقتها: نظاما عنصريا يرتكب جرائم إبادة جماعية بحق النساء والأطفال والشيوخ في غزة، ويمارس سياسات الفصل والاضطهاد ضد الفلسطينيين في كل الأرض المحتلة. هذه العزلة لم تعد مقتصرة على المستوى السياسي والدبلوماسي، بل بدأت تطال المواطن الإسرائيلي نفسه، في مظاهر اجتماعية وثقافية متصاعدة تعكس تغيرا عميقا في الرأي العام العالمي.


لم تعد الإدانة لإسرائيل صادرة عن الحكومات وحدها، بل أصبحت تنبع من وجدان الشعوب. ففي مختلف العواصم الغربية، من الملاعب إلى الجامعات والمهرجانات الثقافية، تتصاعد موجات رفض سياسات الاحتلال، وتتعالى هتافات التنديد بالإبادة في غزة، وتزداد الدعوات لمقاطعة أي نشاط أو مؤسسة إسرائيلية، في مشاهد لم تكن مألوفة قبل سنوات قليلة، لكنها اليوم تعكس تحولا عميقا في الوعي العالمي تجاه ما يجري في فلسطين.


لقد تبدلت الصورة رأسا على عقب. فالعالم الذي كان يرى إسرائيل ضحية، بات يراها قوة احتلال تمارس التطهير العرقي والإبادة بحق شعب أعزل. تقارير المنظمات الدولية – من “هيومن رايتس ووتش” و”أمنستي” إلى لجان التحقيق التابعة للأمم المتحدة – لم تعد تتردد في وصف ما يحدث بأنه جرائم حرب و”أفعال قد ترقى إلى إبادة جماعية”. صور الأطفال تحت الركام، والمستشفيات المدمرة، وطوابير الجوع الممتدة على أنقاض البيوت، تحولت إلى رموز أخلاقية عالمية يصعب على أي ضمير حي أن يتجاهلها.


وللمرة الأولى منذ عقود، لم يعد الرأي العام الغربي رهينة الرواية الإسرائيلية. الجامعات الأوروبية والأميركية تشهد انتفاضة أخلاقية من طلابها وأساتذتها، وشركات فنية وثقافية تلغي مشاركات إسرائيلية خشية الغضب الجماهيري، واتحادات رياضية باتت تتعرض لضغوط عند استضافة فرق تمثل الاحتلال. إنها ملامح عزلة تتجاوز حدود السياسة إلى عمق المجتمع، تشبه في كثير من جوانبها ما واجهته جنوب إفريقيا حين فرض العالم عليها حصارا أخلاقيا أنهى نظام الفصل العنصري.


لكن الوصول إلى هذه اللحظة لم يكن مجانا. فقد دفع الفلسطينيون ثمنا باهظا من الدم والوجع والحصار حتى بدأ العالم يتفهم عدالة قضيتهم. عشرات آلاف الشهداء منذ حرب الإبادة على غزة، ودمار شامل لم يبقي حجرا على حجر، ومجازر موثقة بالصوت والصورة، جعلت الشعوب الغربية تواجه ضميرها الإنساني. لم يعد بالإمكان التذرع بـ”رواية أمنية إسرائيلية” لتبرير جرائم ترتكب أمام الكاميرات. لقد تحطمت الهيمنة الإعلامية الإسرائيلية بفضل صمود الفلسطينيين وتضحياتهم، وبفضل جيل جديد من النشطاء والصحفيين الذين نقلوا الحقيقة للعالم دون خوف.


ومع ذلك، فإن التحول في الرأي العام العالمي – على أهميته – لا يكفي وحده لفرض الاعتراف الدولي الكامل بالحقوق الفلسطينية. فالدول الكبرى لا تتحرك فقط تحت ضغط الرأي العام، بل أيضا وفق موازين القوى على الأرض. ولهذا فإن بناء قوة ضغط حقيقية يبدأ من الداخل الفلسطيني، عبر تعزيز المقاومة المنظمة في وجه المشروع الاستيطاني والمستوطنين الذين يشنون حربا يومية على الأرض والإنسان.


لقد بات الاستيطان أخطر أدوات الاحتلال وأكثرها تغولا، فهو يلتهم الأرض ببطء بينما العالم منشغل في متابعة تطورات الحرب على غزة. مواجهة هذا الخطر تتطلب توحيد الجهود الشعبية والرسمية، وإعادة إحياء اللجان الشعبية في القرى، وتوسيع دائرة المقاومة الشعبية والمقاطعة الميدانية، وربطها بخطاب سياسي موحد يخاطب العالم بلغة الحقوق لا بلغة الشعارات. فالمقاومة الشعبية ليست نقيضا للجهد الدبلوماسي، بل هي امتداد له على الأرض.


الفرصة التاريخية اليوم تكمن في أن المزاج العالمي تغير فعلا. صورة الفلسطيني باتت أقرب إلى الضحية الصامدة وليس “المعتدي”، والعالم بدأ يرى أن الاحتلال هو أصل العنف، وأن الأمن لا يمكن أن يقوم على أنقاض شعب. هذه الحقيقة يجب أن تتحول إلى قوة ضغط سياسية ودبلوماسية تفرض على المجتمع الدولي الاعتراف بالحقوق التاريخية والسياسية والاقتصادية والثقافية للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.


لكن إن لم نحسن نحن الفلسطينيين استثمار هذا التحول، فسيضيع كغيره من الفرص. المطلوب اليوم خطاب فلسطيني جديد، يوحد الكلمة، ويحول التعاطف العالمي إلى فعل سياسي وقانوني واقتصادي. فالعالم لا يساند إلا من يثبت قدرته على الصمود والتنظيم، ومن يحول معاناته إلى مشروع تحرر متكامل.


إن العزلة التي تحاصر إسرائيل اليوم ليست نهاية الطريق، بل بداية مرحلة جديدة من الوعي العالمي. غير أن هذا الوعي بحاجة إلى فعل فلسطيني يوازيه قوة وإرادة وتنظيما. فالعالم بدأ يرى الحقيقة، لكن مسؤوليتنا نحن أن نبقيها حية حتى تتحول إلى اعتراف، والاعتراف إلى دولة، والدولة إلى حرية تليق بهذا الشعب الذي علم العالم معنى الكرامة.

شاهد أيضاً

إصابة الشاب جميل حنني برصاص الاحتلال في بيت فوريك شرق نابلس

إصابة الشاب جميل حنني برصاص الاحتلال في بيت فوريك شرق نابلس

شفا – أصيب شاب بالرصاص الحي، مساء اليوم الأحد، خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة …