5:38 مساءً / 26 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

يوم المرأة الفلسطينية : هوية تصنع الحياة في زمن الموت ، بقلم : المهندس غسان جابر

يوم المرأة الفلسطينية: هوية تصنع الحياة في زمن الموت ، بقلم : المهندس غسان جابر

في السادس والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر، لا نُحيي ذكرى رمزية ولا مناسبة اجتماعية عابرة، بل نُجدّد العهد مع روحٍ لم تنكسر رغم قرنٍ من النكبات. إن يوم المرأة الفلسطينية هو يوم الوطن نفسه، يوم التاريخ الذي كتبته نساء فلسطين بالدم والدموع، وبالصبر الذي صهرته النيران.

هذا العام تأتي الذكرى مثقلةً بالمجازر، إذ سجّل العدوان الإسرائيلي على غزة أرقاماً مفزعة: أكثر من 11 ألف شهيدة من أصل نحو 68 ألف شهيد، بينهن طبيبات ومعلمات وفنانات وأمهات وأطفال.


لكن هذه الأرقام، مهما بلغت قسوتها، ليست دليلاً على الموت، بل على أن المرأة الفلسطينية تواصل صناعة الحياة في زمنٍ يطلب منها الاستسلام.

من ثورة 1936 إلى غزة المحاصرة.. التاريخ مكتوب بأنامل النساء

منذ فاطمة غزال، أول شهيدة فلسطينية في ثورة 1936 التي أطلقت النار على جنود بريطانيين في يافا، وحتى الطبيبات العاملات تحت القصف في غزة اليوم، تمتد خيوط النضال النسائي كنسيجٍ واحد من العطاء والصمود.
فاطمة البديري التي قادت المظاهرات ضد الانتداب البريطاني في القدس، لم تكن وحدها في الميدان، بل كانت تمهّد الطريق لأجيال من النساء اللواتي حوّلن العمل الوطني إلى إرثٍ عائلي يُورّث كما الأرض والزيتون.

وفي السجون، كتبت المرأة فصلاً آخر من البطولة:


آيات محاميد، التي تحدّت الشلل والأسر، جسّدت كيف تنتصر الروح على القيود، وميسم وأمل طقاطقة من بيت لحم، قدّمتا نموذجاً لجيلٍ يرى في الاعتقال وساماً للكرامة لا جداراً للعجز.

الثقافة والهوية.. سلاحٌ آخر في معركة الوعي

حين تُسرق الأرض، تبقى الهوية هي الجبهة الأخيرة.


غادة الكرمي كتبت عن النكبة لتمنعها من التحول إلى مجرد فصلٍ في كتب التاريخ، وتمام الأكحل جعلت من لوحاتها سجلاً بصرياً للألم الفلسطيني، حيث صار التطريز الشعبي واللون التراثي لغة مقاومة لا تقل عن البندقية.

المرأة الفلسطينية لم تكن يوماً على هامش السياسة، بل كانت هي التي تحفظ خريطة الذاكرة حين تُشطب القرى من الجغرافيا.


من بيت الطين في الخليل إلى خيام اللجوء في لبنان، حملت الأم الفلسطينية مفاتيح البيوت وأسماء القرى لتزرعها في وجدان الأجيال، حتى لا يضيع الوطن مرتين: مرة بالاحتلال، ومرة بالنسيان.

غزة.. عاصمة الوجع والبطولة

في غزة، المشهد أكبر من المأساة.


هي الطبيبة التي تجري العمليات الجراحية على ضوء الهاتف، وهي الأم التي تخبئ دموعها لتمنح أبناءها أملاً في الغد، وهي الناجية التي تبحث عن فتات الخبز وتوزّعه على من فقد كل شيء.

في غزة اليوم، لا تُكتب الحكاية بالحبر، بل بالدم.


لكن خلف كل شهيدة، تولد رواية جديدة تؤكد أن فلسطين ما زالت تنبض بالحياة، وأن الاحتلال مهما توحّش لن يقدر على اقتلاع هويةٍ أنثويةٍ صلبةٍ مثل جذور الزيتون.

النداء الأخير: احموا التاريخ قبل أن يُسرق

ليس المطلوب في يوم المرأة الفلسطينية أن نلقي الخطب أو نرفع الشعارات، بل أن نحمي الذاكرة التي نسجتها النساء عبر قرنٍ من النضال.


يجب أن تتحول سير الشهيدات والأسيرات والمعلمات والفلاحات إلى مادةٍ في المناهج الدراسية، وإلى رموزٍ في الإعلام والثقافة الوطنية.


فالتاريخ إن لم يُحمَ بالوعي، سيُكتب بأقلام الآخرين، والاحتلال يدرك أن معركته الحقيقية ليست فقط على الأرض، بل على الذاكرة.

المرأة التي تهزم العدم:


في يومها الوطني، نقف إجلالاً أمام امرأةٍ فلسطينيةٍ لم تعرف الهزيمة.
هي التي أنجبت الأبطال ودفنت الشهداء وواصلت الحياة فوق الركام.
هي التي قالت للعالم إن الهوية أقوى من الرصاص، وإن الذاكرة لا تموت ما دام في فلسطين أمٌّ تحكي الحكاية لأبنائها قبل النوم.

إن يوم المرأة الفلسطينية ليس لحظة بكاء على الأطلال، بل وعدٌ متجدد بأن هذا الوطن سيبقى، ما دامت نساؤه يكتبن التاريخ من رماد الحرب، ويزرعن الحياة في أرضٍ يحاول العدو أن يميت فيها الأمل.

  • – م. غسان جابر – مهندس و سياسي فلسطيني – قيادي في حركة المبادرة الوطنية – نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في الخليل.

شاهد أيضاً

الصين والولايات المتحدة تتوصلان إلى توافقات أساسية بشأن ترتيبات لحل الشواغل التجارية المتبادلة

الصين والولايات المتحدة تتوصلان إلى توافقات أساسية بشأن ترتيبات لحل الشواغل التجارية المتبادلة

شفا – توصل الوفدان الصيني والأمريكي إلى توافقات أساسية بشأن ترتيبات لحل الشواغل التجارية الخاصة …