
المرأة التي استقالت من الكذب ، حين تخلّت يهوديّة ألمانيّة عن “جنسيّتها المقدّسة ”! ، بقلم : د. وليد العريض
مقاوم خاص ( 17)
“ليس التخلّي عن جواز سفر، بل عن ترخيصٍ بالقتل.”
- افتتاحٌ من قلب برلين
في مدينةٍ تعرف كيف ينهض الإنسان من رماد التاريخ، دخلت امرأةٌ يهودية ألمانية السفارة الإسرائيلية في برلين… لا لتجديد جوازها، بل لتسليمه.
كان المشهد أقرب إلى مسرحية عبثية:
سجناءٌ بزيّ موظفين، وأسلاكٌ أمنية تحاصر الهواء، وامرأةٌ تدخل حاملةً ما يُشبه الاستقالة من الأكذوبة.
في عينيها مزيجٌ من الحزن والفكاهة:
كيف يمكن لدولةٍ تُمارس القتل بوقارٍ دبلوماسي أن تطلب من ضحاياها التوقيع بلطفٍ على “نموذج تخلّي”؟
- تفتيشُ الضمير
فتّشوها كما لو كانت تُهرّب قنبلة، ولم يدركوا أنّ القنبلة الحقيقية كانت في صدرها: ضميرٌ استيقظ.
أمرٌ خطيرٌ في قاموسهم الأمني.
قالت: “دخلت السفارة وكأنني أدخل سجنًا، لا مكانًا دبلوماسيًّا.”
ومَن يدري؟ لعلّ إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تُفتّش الزائر بحثًا عن الحقيقة!
- الموظّفة وطلاء الشفاه الوطنيّ
في الداخل، جلست أمام موظفةٍ إسرائيليةٍ في الثلاثين،
تبتسم بطلاء شفاهٍ شفافٍ وملفٍّ مملوءٍ بالأكاذيب،
تبدو أنيقة كواجهة متجرٍ فاخر،
لكنّها لا تعلم أن المؤسسة التي تمثلها تبيع القبح في عبوةٍ من البراءة.
وحين تعطّل جهاز الكمبيوتر، جاء نائب القنصل مهرولًا ليبحث على “جوجل” عن مكتبٍ لتصديق الأوراق!
كأنّ إسرائيل — التي صدّقت على كلّ جريمةٍ ارتكبتها —
تبحث الآن عن ختمٍ لتوثيق خيبةٍ أخلاقية جديدة.
- في خانة “الأسباب”… تكتب التاريخ
- في الاستمارة سؤالٌ رسمي: “ما الأسبابُ المفصّلة لتخلّيكِ عن الجنسيّة؟”
سؤالٌ باردٌ كموظفٍ في فراغٍ أخلاقي.
لكنها كتبت بخطٍّ ثابت:
“أعترض على المبادئ العنصرية والاستعمارية والعنيفة للدولة.
التخلّي عن جنسيّتي هو آخر فعل مقاومةٍ ضدّ مبادئها وأفعالها ووجودها.”
كانت تلك الجملة أقوى من ألف صاروخ.
جملةٌ تنزع عن إسرائيل قناعها الذهبيّ،
وتُعيدها إلى حقيقتها القديمة:
كيانٌ يعيش من تجارة الخوف… ويموت من جرعة صدق.
- الأمنُ يسأل… والحريةُ تجيب
سألها رجل الأمن بفضول الشرطيّ الصغير:
– “ولماذا تتنازلين عن جنسيتك؟”
فقالت له بهدوءٍ يجلد:
“ليس من شأنك، هذا لا علاقة له بالأمن.”
قالتها كمن يرمي الحقيقة في وجه دولةٍ تبني وجودها على كلمة “الأمن”.
لم تفهم إسرائيل بعدُ أن الأمن لا يتحقّق بالأسوار،
بل بأن تكفّ عن كونك تهديدًا للعالم.
- استقالة من الأكذوبة الكبرى
لم تكن تلك المرأة تهرب من وطن،
بل من تصريحٍ أخلاقيّ للقتل.
لم ترفض هويّة،
بل رفضت أن يُستخدم اسمها لتبرير مجزرةٍ تُبثّ على الهواء.
لقد غادرت السفارة دون جوازٍ،
لكنّها خرجت تحمل أعظم وثيقةٍ في التاريخ:
شهادة ميلادٍ جديدة… باسم الإنسان.
- حين يهاجر الضمير… تبدأ النهاية
قالوا لها إن الشهادة الرسمية ستصل بالبريد بعد أشهر.
لكنّ التاريخ أرسل شهادته فورًا:
أنّها أول من اكتشف أنّ إسرائيل ليست وطنًا،
بل مشروعٌ لتسويق الأكاذيب بوجهٍ تجميليّ.
فحين يبدأ أبناء إسرائيل بالتخلّي عنها،
حين يهاجر الضمير قبل الجسد،
وحين يطلب المواطن من الدولة أن تنساه…
عندها فقط تبدأ اللعبة الحقيقية:
نهاية الدولة التي لم تصدّق يومًا أنها كذبة.
د. وليد العريض
مؤرخ، أديب، شاعر، وكاتب صحفي
(من سلسلة “مقاوم خاص”)
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .