
مرثية الحرف الأخير ، بقلم : ماتيلدا علي عوّاد
لم يولد الكلام دفعةً واحدةٍ،
بل تأنّى، تنفّس بين فكي حضورٍ وغياب.
جاءت الكلمات كغربانٍ لا تبحث عن بيت،
تستقرُّ على حافةِ فمٍ لم يعُد يعرف اسمه.
أكتب لأكشف مرآتي،
لا لأعرف من أنا، بل لأرى كيف يهرب الزمن مني.
الورقة هنا ليست سوى بقايا سماءٍ سقطت،
تفككت إلى كلمات تنتظر من يمنحها الحياة.
أمشي على حافة فعلٍ لم يُكتب بعد،
أمسك بالهواء كأنه خاتم يُدخلني في حلمٍ لا ينطفئ.
اللغة تنكسر أمام ميلادها،
تتلعثم لتعلن عن ولادة صدى،
والصدى لا يفرض وجوده، بل يختار أن يبقى.
هنا، بين الحرف والفسحة، يولد وعي يتعلم المشي بلا أطراف.
لا أخشى أن أكون غير مكتملة،
فالكمال قاتل لطيف يسرق من الكلمات تنفسها.
أفضّل أن أكون شظية تلمع في فم الظلال،
أن أكون سؤالًا يصرخ في غرفة بلا أبواب.
نحن، أيها القارئ، أشبه بصفحات تبحث عن أصابع تهمس بها،
نبرز كأقنعة تُسقط عن وجوه عصور لم تستفق بعد،
نحب لأننا جالسات على حافة انتظار،
نرفض لأن الرفض هو آخر اعتراف بالذات.
عندما يطلب العالم مني أن أعلق روحي على خط واحد،
أبتلعه وأردّه سرًا إلى الفضاء:
ليحيا الحرف في مكان لا يطالُه الإغلاق.
ولتتكرر الولادة كلما طُلبت الحياة.
في النهاية، إن أردت أن تعرفني:
لا تقرأ اسمي، بل اقرأ هذا الصدى،
ذاك الذي يرفض أن يُمحى،
ويصر على أن يكون آخر أبياتك قبل أن تضيءَ الشمس.