5:07 مساءً / 17 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

التعليم في زمن النزاعات والأزمات كحق وممارسة صمود وفلسفة تحررية ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

التعليم في زمن النزاعات والأزمات كحق وممارسة صمود وفلسفة تحررية ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

في زمن تتفتّت فيه الخرائط وتنهار أطر الأمان، يتحوّل التعليم من نشاط معرفي إلى فعل وجودي للصمود والحفاظ على المعنى الإنساني. حين تُقصف المدن ويُهجّر الأطفال، تظل المدرسة — ولو في خيمة أو زاوية من ذاكرة المعلم — ممارسة مقاومة صامتة ضد العدم، تعيد إنتاج الوعي والهوية رغم الانكسار. التعليم في زمن الحروب والأزمات ليس مجرد خدمة مؤقتة، بل فضاء للكرامة وممارسة الحق في التفكير والتخيل، إذ تستهدف الحروب الحديثة الوعي والمعنى أكثر من الأجساد.


وفقاً لتقرير اليونسكو العالمي لرصد التعليم 2024، يبلغ عدد الأطفال والشباب خارج المدرسة حول العالم 251 مليوناً، مع تفاوت ملحوظ بين البلدان منخفضة الدخل (33%) ومرتفعة الدخل (3%)، كما تُسجّل أكثر من نصف حالات عدم الالتحاق بالمدرسة في إفريقيا جنوب الصحراء (UNESCO, 2024). في فلسطين، يصبح التعليم مشروعاً تحررياً عملياً، حيث يتقاطع الاحتلال مع الحلم؛ كل صف يُفتَح تحت القصف وكل درس يُقدَّم على ركام المدارس يمثل فعلاً سيادياً للحفاظ على الإنسان والمعنى.


من هذا المنطلق، يُنظر إلى التعليم في حالات الطوارئ (Education in Emergencies) كإطار عملي وفلسفي لضمان استمرار التعلم، مع تأمين الوصول والحماية والدعم النفسي والاجتماعي للمتعلمين والمعلمين (INEE, 2023; UNESCO, 2024). مع ذلك، غالباً ما يُختزل هذا التعريف في الجانب الوظيفي، كخدمة لتخفيف الصدمة الإنسانية أكثر من كونه حقاً سيادياً متجذراً في الكرامة والهوية.


يفرق هذا السياق بين التعليم في الطوارئ والاستجابة للهشاشة المزمنة: الأول استجابة مؤقتة لأزمة محددة، أما الثاني فيمثل اضطراباً ممتداً بنيوياً وسياسياً واقتصادياً، حيث تصبح الطوارئ وضعاً دائماً في مناطق الاحتلال أو النزاعات. هذا يستلزم منظوراً تحررياً يربط الفعل التربوي بالسيادة والعدالة الاجتماعية، لا بالتمويل العابرة أو المشاريع الطارئة، مستنداً إلى البيداغوجيا التحررية التي طرحها فريري، والتي تعيد التعليم كأداة لتحويل الوعي وتمكين الإنسان من استعادة سيادته على ذاته (Freire, 1970).


تؤكد الأدبيات الحديثة في التعليم في حالات الطوارئ أن التربية في سياقات الحروب ليست استجابة إسعافية، بل فعل مقاومة معرفية وإنسانية يصون الكرامة ويعيد بناء المعنى الجمعي. التعليم هنا ليس مجرد استمرار للدرس، بل بناء للصمود وإحياء للوعي في وجه العنف والتفكك، وتحويل الألم إلى طاقة بنّاءة، مع ترسيخ الأمل كقيمة مقاومة. ومن هذا المنطلق، يُطرح السؤال المفصلي: هل التعليم في الأزمات مجرد خدمة إنسانية مؤقتة، أم هو حق سيادي دائم يُمارس دفاعاً عن الوجود والهوية؟ تتبنى هذه الورقة التعليم كفعل تحرري يولد من رحم الألم، ليعيد للإنسان سيادته ومعناه، محوّلاً المدرسة من فضاء للنجاة إلى حقل للنهضة الإنسانية، حيث يصبح التعليم فعل وعي يرسخ الكرامة الفكرية كآخر معاقل السيادة


المحور الأول: السياق العالمي والإقليمي في أزمات النزاع


تدقّ اليونسكو ناقوس الخطر إزاء الزيادة الحادة في الهجمات على المدارس خلال عام 2024، حيث سجّل 1,265 هجوماً على المؤسسات التعليمية، بارتفاع 44% مقارنة بعام 2023، ما يعرض حوالي 85 مليون طفل وطفلة في مناطق النزاعات للأزمة التعليمية والحرمان من التعليم (UNESCO, 2025). وتشمل مناطق الخطر فلسطين، سوريا، أوكرانيا، ميانمار، هايتي، أفغانستان، والسودان، حيث تتحوّل المدارس أحياناً إلى مواقع عسكرية مخالفة للقانون الدولي الإنساني، ويتعذّر استمرار التعلم بسبب النزوح المتكرر وانقطاع المناهج. واستجابة لذلك، تعمل اليونسكو على دعم التعليم في 31 بلداً متأثراً بالأزمات، من خلال تقديم مساعدات مادية ونفسية واجتماعية للمتعلمين والمعلمين، وتوسيع أشكال التعلم البديلة، مع التأكيد على ضرورة التزام جميع الأطراف بالقانون الدولي الإنساني والقرارات الدولية المتعلقة بحماية المدارس.


تلعب الجهات المانحة دوراً مزدوجاً: فهي توفر التعليم والحماية، لكنها تفرض أحياناً شروطاً تؤثر على السيادة التربوية الوطنية. التمويل الإنساني يحوّل التعليم في بيئات النزاع أحياناً من حق سيادي مستدام إلى خدمة مؤقتة تُدار وفق أولويات المانحين، بينما يسعى الخطاب الدولي حالياً إلى منطق “الاستدامة التربوية”، لإبقاء التعليم مستمراً وآمناً رغم الحروب والكوارث الطبيعية. مع ذلك، تبقى الفجوة بين النظرة العالمية والممارسة الميدانية قائمة، ما يتطلب سياسات تربوية تجمع بين المرونة في الأزمة والحفاظ على العمق البنيوي والفلسفي للتعليم.


في فلسطين، تتجسد هذه الفجوة بوضوح: فبينما تدعم المنظمات الدولية مشاريع التعليم الطارئة، يظل التعليم الفلسطيني مسألة سيادة وطنية ومعركة معرفية، تحمي الهوية واللغة والذاكرة الجماعية. يصبح التعليم فعل مقاومة تربوي، يربط البعد الحقوقي بالفلسفي، مؤكداً أن المدرسة ليست مجرد خدمة، بل حقل سيادة ووعي مستمر.


التحديات البنيوية والإنسانية للتعليم في مناطق النزاع


تُظهر التقارير الأممية الحديثة عمق الأزمة التي لحقت بالبنية التحتية التعليمية في مناطق النزاع، وما ترتب عليها من حرمان ملايين الأطفال من حقهم في التعلم الآمن.


تدمير البنية التحتية التعليمية: في سوريا، دُمّرت أكثر من 7,000 مدرسة منذ اندلاع النزاع، بينما في اليمن تضرر نحو 2,916 مدرسة، واستخدام المئات كملاجئ أو أغراض عسكرية (UNICEF, 2023a; UNICEF, 2023b). في فلسطين، 95% من المدارس في غزة تضررت بفعل القصف (UNICEF, 2023d).


فقدان المعلمين والمتعلمين في المدارس: شهد قطاع غزة فقداناً مأساوياً للطلاب والمعلمين، إذ استشهد 18,512 طالباً وطالبة وأصيب 27,000 آخرون، فيما بلغ عدد المعلمين الشهداء 791 مع 3,251 جريحاً، بينما في الضفة الغربية استشهد 110 طالباً وطالبة وأصيب 791، وتم اعتقال 395، إلى جانب استشهاد 5 معلمين وجرح 23، واعتقال 201 معلم، ما يعكس حجم الانتهاكات الجسيمة ضد حق التعليم واستهداف الكرامة الإنسانية في المدارس، ويؤكد الحاجة الملحّة لحماية المتعلمين والمعلمين وضمان استمرارية التعليم في ظل الأزمات (وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، 2025).


الأزمات النفسية والاجتماعية: حوالي 80% من الأطفال في مناطق النزاع يعانون من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (UNICEF, 2023).


تسييس التعليم وضغوط التمويل: محاولات فرض مناهج بديلة تهدف إلى تغيير الرواية التاريخية والثقافية تهدد السيادة التعليمية الفلسطينية (جريدة القدس، 2025).


الفئات الهشة وفجوات العدالة التعليمية: الفتيات وذوو الإعاقة والأطفال في المناطق المحاصرة يواجهون صعوبات مضاعفة في الوصول للتعليم (Global Partnership for Education, 2023b).


تُبرز هذه البيانات الحاجة الملحة لوضع سياسات تعليمية تراعي الإنصاف والشمولية، وتضمن حماية حق التعلم لجميع الأطفال، بغض النظر عن جنسهم أو قدراتهم أو ظروفهم المكانية.


المحور الثاني: استجابات الأنظمة والمجتمعات في مواجهة الأزمات


تتصدى الأنظمة والمجتمعات لتحديات التعليم في سياقات النزاع بطرق متعددة، فتتحوّل العملية التعليمية إلى فعل صمود وكرامة، وحصن ضد الطمس والنسيان. تتكامل هذه الاستجابات بين المستوى النظامي، والمبادرات المجتمعية، والفعل التربوي، والرؤية الحقوقية، لتشكّل شبكة حماية للتعليم كحق إنساني وسيادة وطنية.


أولاً: الاستجابات النظامية: تسعى الحكومات إلى ضمان استمرار التعليم عبر تبني خطط طوارئ مرنة، توزيع الموارد بشكل تكيفي، وحماية البنية التحتية التعليمية. ومع ذلك، غالباً ما تحد القيود السياسية والمالية من قدرة النظام على الاستجابة الكاملة، مما يجعل استدامة التعليم وجودته تعتمد أيضاً على المبادرات المجتمعية والمساهمات الفاعلة للمنظمات المدنية.


ثانياً: الاستجابات التربوية والمجتمعية في فلسطين والسياق العربي: أطلقت فلسطين والمجتمعات العربية مبادرات مرنة لضمان استمرارية التعليم في ظل النزاعات، مع التركيز على دعم الاستجابة الوطنية. برزت في فلسطين مبادرات مبتكرة بالشراكة بين وزارة التربية والتعليم ومؤسسات المجتمع المدني والائتلاف التربوي الفلسطيني، ومن أبرزها:


المدارس الافتراضية ومدارس الخيم في المناطق المتضررة.


تطوير رزم تعليمية مرنة ضمن المناهج الوطنية.


تفعيل الفضائيات والمنصات الرقمية للتعليم عن بُعد، بما في ذلك عقد امتحانات الثانوية العامة في غزة ودول النزوح.
برامج الدعم النفسي والاجتماعي للطلبة والمعلمين.


مجتمعات التعلم التي تنفذها مؤسسات المجتمع المدني والائتلاف، إضافة إلى المبادرات المجتمعية لتعزيز صمود العملية التعليمية وترسيخ الهوية الوطنية.


تؤكد أوراق موقف الائتلاف التربوي الفلسطيني والحملة العربية للتعليم على حماية التعليم في مدارس وكالة الأونروا، وضمان استقلالية القرار التربوي، ومناصرة حقوق الطلبة والمعلمين. كما أظهرت تجارب مماثلة في بعض الدول العربية إمكانية إنشاء فضاءات مرنة للتعلم في النزاعات، مؤكدة أن التعليم ليس مجرد خدمة مؤقتة، بل فعل مقاومة وصمود معرفي وثقافي.


ثالثاً: المدارس والمساحات التعليمية البديلة: تحوّلت المدارس والمساجد والمراكز الثقافية إلى فضاءات تعليمية بديلة تجمع بين نقل المعرفة الأكاديمية وبناء الوعي المدني والكرامة الإنسانية. وفي قلب هذه الاستجابات، يظل المعلم عنصراً محورياً، ليس مجرد موظف إداري، بل كفاعل أخلاقي وإنساني يرافق الطلبة في مواجهة الصدمة، ويوجههم نحو صمود معرفي ونفسي، ليصبح كل درس فرصة لتعزيز الهوية وترسيخ القيم وبناء الوعي، وتحويل المدرسة إلى فضاء للتحرر والتعلم المتجذر في الكرامة الإنسانية.


رابعاً: الاستجابات الحقوقية والمجتمعية الموسّعة: تلعب الائتلافات التربوية ومنظمات المجتمع المدني دوراً فاعلاً في الدفاع عن الحق في التعليم وحماية السيادة التعليمية، عبر تعزيز مشاركة المجتمع، رصد الفجوات التعليمية، وضمان وصول الفئات الأكثر هشاشة إلى التعلم. وتمثل هذه التجارب نموذجاً عملياً للمرونة المجتمعية، حيث يلتقي العمل الأهلي مع الرؤية الحقوقية والفلسفة التحررية للتعليم كفعل صمود وإنسانية، مستندة إلى التوصيات والأوراق السياسية الوطنية والإقليمية.


خامساً: نحو سياسات وطنية مستدامة: يبقى التحدي في تحويل المبادرات الجزئية والمجتمعية إلى سياسات وطنية متكاملة. ومن هذا المنطلق، يظهر الدور الحاسم للإطار التوجيهي والسياسات المستقبلية لضمان استمرارية التعليم وحقوق الإنسان في الأزمات، مع دمج المرونة المجتمعية، السيادة الوطنية، والاستدامة التربوية والحقوقية، ليصبح التعليم فعلاً مستمراً وراسخاً، حتى في أقسى الظروف.


المحور الثالث: سياسات واستراتيجيات لضمان التعليم في الأزمات واستشراف المستقبل


يتحوّل التعليم في زمن النزاعات والأزمات إلى فعل تحرري وأخلاقي يصون الوعي والكرامة والهوية الجمعية، ويغدو فضاءً للمقاومة الرمزية والمعرفية وصمام أمان في وجه الطمس والانكسار الإنساني.


أولاً: السياسات الأساسية


السيادة التعليمية الشاملة: تبني سياسات تجعل التعليم حقاً سيادياً لا خاضعاً للتمويل المشروط أو المشاريع العابرة، وتشمل حماية المناهج الوطنية، وتعزيز استقلالية المدارس والمعلمين كحماة للوعي الوطني والمعرفي.


المرونة المؤسسية والتكيف المستدام: تطوير أطر تنظيمية مرنة تضمن استمرارية التعليم في ظل النزاعات والكوارث، بما يشمل المدارس التقليدية والخيم التعليمية والمنصات الرقمية، مع إعداد خطط طوارئ قابلة للتعديل حسب المستجدات.


الدمج بين التعليم والمقاومة الإنسانية: إدماج بُعد الكرامة والهوية الوطنية في السياسات التعليمية، بحيث يعكس كل محتوى تربوي قيم الحرية والعدالة والمساواة، ويعزز الصمود النفسي والمعرفي للمتعلمين.


الابتكار الرقمي والتكنولوجي: صياغة سياسات تشجع على التعليم الافتراضي واستخدام الفضائيات التعليمية، وتطوير رزم تعليمية مرنة، وتنظيم الامتحانات عن بُعد في مناطق النزوح، لضمان الاستمرارية والوصول العادل.


الشراكات الحقوقية والمجتمعية: تعزيز التعاون بين الدولة والمجتمع المدني والائتلافات التربوية والمنظمات الأممية على أسس حقوقية وفلسفية، لضمان استدامة الموارد وحماية السيادة التعليمية، مع وضع الطالب والمعلم في قلب العملية التعليمية.


التعليم كأداة عالمية للصمود: دمج البعد الكوني ضمن السياسات التعليمية بحيث يعكس التعليم القيم الإنسانية المشتركة، ويصبح فعل مقاومة يعزز التواصل بين التجربة المحلية والوعي العالمي، ويمكّن المتعلمين من الفعل الاجتماعي والثقافي في مواجهة الظلم والتحديات الإنسانية.
ثانياً: استراتيجيات التنفيذ


تصميم برامج تعليمية بديلة في حالات الطوارئ تشمل المدارس الافتراضية والخيم التعليمية والتعليم غير النظامي لضمان استمرارية التعلم في أقسى الظروف.


تطوير محتوى تعليمي مرن وقابل للتكيّف مع الأزمات، يتضمن الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب والمعلمين.


بناء قدرات المعلمين على إدارة التعليم في الأزمات، وتعزيز مهاراتهم الرقمية والتربوية لتفعيل التعليم عن بُعد بفاعلية.
تنفيذ برامج تقييم ومتابعة مستمرة لرصد أثر السياسات والمبادرات وتحسينها استناداً إلى نتائج ملموسة.


توسيع نطاق الشراكات المحلية والإقليمية لتعزيز صمود التعليم، مع ضمان استقلالية القرار التربوي والمناهج الوطنية في مواجهة الضغوط الخارجية.


ثالثاً: نظرة استشرافية لمستقبل التعليم في الوطن العربي


ينطلق المستقبل التربوي من رؤية واضحة نحو مجتمع معرفي ومبدع، يسخر العلوم والثقافة والتكنولوجيا لتعزيز الانتماء الوطني باعتباره علاقة متبادلة بين الأرض والإنسان، ويستند إلى فهم عميق لروح المواطنة، التي ليست مجرد حقوق قانونية أو انتماء جغرافي، بل حالة وعي مستمرة، تنبني على التزام ومسؤولية تجاه المجتمع والتاريخ. في هذا الإطار، تصبح المواطنة الفاعلة عقداً أخلاقياً بين الفرد والدولة، يجمع الحق بالواجب، الحرية بالالتزام، مع موازنة العلاقة مع المواطنة الكونية في عالم متغير.


في هذا المستقبل، يتحوّل التعليم إلى منظومة مفتوحة ومتواترة وعملياتية، تمكّن المتعلم من التفكير النقدي والمشاركة الفاعلة في إنتاج المعرفة، واستعادة دوره كفاعل اجتماعي ومسؤول، متجاوزاً القوالب الجاهزة والتعليم التكراري. يصبح المعلم شريكاً وموجّهاً ومستكشفاً للمعرفة الكونية، يدمج قيم العدالة والحرية والاستدامة والابتكار في الممارسة اليومية، ويعزز قدرة المتعلم على مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل، مستفيداً من التعليم كأداة وجودية لإعادة إنتاج معنى الانتماء والوعي الجمعي، كما تمثل المواطنة فيها تجربة فلسفية تتجسد في العلاقة بين الفرد والآخرين والمجتمع.


تستهدف هذه الرؤية بناء منظومة تعليمية متماسكة، تعيد تعريف العملية التربوية كفعل سيادي ومستدام، وتحوّل المدرسة إلى فضاء للنهضة الإنسانية الممكنة، حيث تتحقق العدالة التعليمية، تثمر المواطنة الفاعلة، ويصبح الصمود المعرفي والثقافي أداة مركزية لمواجهة النزاعات والأزمات، وتأكيد أن التعليم ليس مجرد نقل للمعرفة، بل ممارسة فكرية وأخلاقية تحمي الهوية وتعيد بناء المعنى في قلب التحديات


التوصيات لضمان التعليم في الأزمات واستشراف المستقبل


دمج التعليم في خطط الطوارئ الوطنية والإقليمية: تضمين التعليم كعنصر أساسي في خطط الاستجابة للأزمات والكوارث، مع وحدات تعليمية مرنة وقابلة للتحويل لضمان استمرار السيادة التعليمية، مع مراعاة تطوير قدرات النظام على التكيف المستمر.


تعزيز المرونة المؤسسية والتكيف المستدام: تجهيز مدارس قابلة للتحويل إلى مراكز تعليمية بديلة أو ملاجئ آمنة، مع تطوير رزم مناهج مرنة وفصول هجينة، ومنصات افتراضية وتقنيات التعلم عن بُعد، بما يعزز العملية التعليمية المفتوحة والمتواترة.


حماية المعلمين ودعمهم النفسي والاجتماعي: برامج تدريبية مستمرة لتأهيل المعلمين على إدارة التعليم في ظروف النزاع والأزمات، وتوفير دعم نفسي واجتماعي لهم، مع تمكينهم من دورهم كمرشدين في بناء المواطنة الفاعلة والوعي النقدي لدى المتعلمين.


تعزيز التعليم الرقمي والابتكار التكنولوجي: تطوير منصات رقمية متكاملة، تشجع على التعلم التفاعلي، وتدعم إنتاج المعرفة، بما يضمن استمرار التعليم حتى في مناطق النزوح أو الحصار، ويعزز قدرة الطلاب على التفكير النقدي والمشاركة المجتمعية.


تفعيل المبادرات المجتمعية والأهلية: دعم المدارس الافتراضية، مدارس الخيم، والمراكز الثقافية كمراكز تعليمية بديلة، مع تعزيز دور المجتمع المحلي في صنع القرار ومتابعة تنفيذ البرامج لضمان العدالة والإنصاف في الوصول إلى التعليم.


الشراكات والتنسيق متعدد الأطراف: إنشاء أطر شراكة واضحة بين الدولة، المجتمع المدني، الائتلافات التربوية، والمنظمات الدولية على أسس حقوقية وفلسفية، مع آليات للمساءلة، لضمان الاستدامة وحماية السيادة التعليمية، ودمج المبادرات المحلية مع الخطط المستقبلية.


تعزيز العدالة التعليمية وحماية الفئات الأكثر هشاشة: تطوير برامج مخصصة للفتيات، ذوي الإعاقة، والأطفال في المناطق المهمشة، لضمان تكافؤ الفرص في التعلم، وتقليل فجوات النزوح والصدمات، مع التركيز على التعليم الشامل والمتعدد الأبعاد.


رصد وتقييم مستمر وتطوير مستقبلي: أدوات تقييم دورية لقياس جودة التعليم، الوصول، والأثر النفسي والاجتماعي، مع دمج مؤشرات التعلم المستمر، المرونة، الإبداع، والاستدامة لتحويل التجارب الناجحة إلى نماذج قابلة للتوسع محلياً وإقليمياً.


تحويل التعليم إلى فعل مستقبلي ومجتمعي: صياغة سياسات تربوية تدعم المنظومة المفتوحة والمتواترة، وتمكن الطلاب والمعلمين من المشاركة في إنتاج المعرفة، وتعزز المواطنة الفاعلة، والانتماء الوطني المتوازن مع الوعي الكوني، بما يربط بين الصمود في الأزمات والتحول المستدام للمنظومة التعليمية.


ختاماً، في خضم التحديات والنزاع، يظل التعليم فعل سيادة، يصوغ الوعي ويعيد للكرامة مكانها. كل درس يُقدَّم، وكل معرفة تُستكشف، هو مقاومة صامتة ضد النسيان، وشعلة تضيء دروب الحرية والفكر. التعليم هنا ليس مجرد نقل للمعلومة، بل هو بناء صمود الإنسان والمجتمع، وعقد أخلاقي مع الوطن، وجسر إلى المستقبل، حيث تلتقي المعرفة بالقيم، والوعي بالمسؤولية، ليظل الوعي حياً، والحق قائماً، والكرامة عصية على الانكسار.

  • – ثروت زيد الكيلاني – فلسطين

شاهد أيضاً

ماهر النمورة يطلع كوادر حركة فتح في تونس على مستجدات الأوضاع السياسية

ماهر النمورة يطلع كوادر حركة فتح في تونس على مستجدات الأوضاع السياسية

شفا – استضاف إقليم حركة فتح في تونس، الناطق الرسمي باسم الحركة الدكتور ماهر النمورة، …