9:29 مساءً / 18 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

ما بعد الحرب… فتح إلى أين؟ بقلم : معمر يوسف العويوي

ما بعد الحرب… فتح إلى أين؟ بقلم : معمر يوسف العويوي

بعد عامين من الحرب القاسية على غزة، انتهى القصف لكن لم تنتهِ الأسئلة. انتهى الدمار، لكن بقيت آثار الجرح في الوعي والوجدان والذاكرة.


لقد صمد شعبنا الفلسطيني، بكل فئاته، صمودًا أسطوريًا، وأثبت مجددًا أن إرادة الحياة أقوى من آلة القتل الإسرائيلية.
وخلال عامين من العدوان، كان لزامًا علينا جميعًا — كفتحاويين ووطنيين — أن نُجمّد خلافاتنا، وأن نقف صفًا واحدًا خلف شعبنا ومقاومته وصموده. فاللحظة حينها كانت لحظة وحدة، لا مساحة فيها للاتهام أو التشظي.

وفي زمن الحرب، كان الواجب الوطني واضحًا: الاصطفاف خلف شعبنا، ودعم صموده، وتأجيل أي خلاف أو نقاش سياسي، لأن لحظة النزيف لا تحتمل المناكفات، بل تحتاج إلى وحدة الموقف والمصير.

أما اليوم، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، يتوجب على حركة فتح أن تبدأ مراجعةً شجاعةً ومسؤولة، لا بهدف اللوم، بل بهدف التصويب والبناء.


فالمشروع الوطني الفلسطيني يحتاج إلى تجديدٍ في الأدوات والآليات والرؤية، لتبقى فتح — الحركة الأم وقائدة المشروع الوطني — في موقعها الطبيعي كإطارٍ جامعٍ ومؤتمنٍ على القرار الوطني.

نؤمن أن النقد بعد المعركة ليس ضعفًا، بل قوة نابعة من الإخلاص لفلسطين ولدماء الشهداء.
لم يكن ممكنًا أثناء العدوان أن نفتح نقاشًا داخليًا حول الأداء أو الخيارات، لأن صوت الرصاص كان أعلى من أي صوت آخر، لكن بعد أن سكتت المدافع، يجب أن يعلو صوت العقل والمراجعة.

لقد كشفت هذه الحرب عن كثير من الحقائق التي يجب مواجهتها بشجاعة:
أولها، أن غياب المرجعية الوطنية الموحدة أضعف الموقف الفلسطيني.
وثانيها، أن الانقسام السياسي لم يعد خطرًا مؤقتًا، بل أصبح جرحًا دائمًا يهدد فكرة الدولة نفسها.
وثالثها، أن الثقة الشعبية بحاجة إلى ترميم، ليس بالشعارات بل بالفعل والعمل والمكاشفة.

وإن كنا نتحدث عن المراجعة الوطنية، فإننا كفتحاويين نتحمل المسؤولية الأولى في تصويب المسار. فتح ليست حزبًا كبقية الأحزاب، بل هي العمود الفقري للمشروع الوطني، ومتى ما صلحت فتح، صلح النظام السياسي الفلسطيني بأكمله.

من هنا، فإن المطلوب من حركة فتح اليوم أن تُصوّب أداتها التنظيمية أولًا، عبر إجراء انتخابات الأقاليم في كل المحافظات كخطوة أولى نحو عقد المؤتمر الثامن للحركة، حتى تستعيد فتح روحها الديمقراطية وحيويتها التنظيمية، وتعود إلى مكانها الطبيعي: قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية، لا أن تبقى رهينة لأمزجة بعض المتنفذين أو خاضعة لهيمنة الأجهزة الأمنية على القرار الفتحاوي الميداني والتنظيمي.

كما أن المطلوب بالتوازي هو إعادة تقييم الخطاب الفتحاوي نفسه، بحيث يتحول من خطابٍ دفاعي أو هجومي يعيش داخل دائرة المناكفات السياسية، إلى خطاب وطنيّ استراتيجيّ واضح الرؤية، قادرٍ على مخاطبة الجماهير بلغة عقلانية تعبّر عن وجدانها وآمالها.


على الإعلام الفتحاوي أن يستعيد دوره التاريخي في تعبئة الجماهير حول البرنامج الوطني التحرري، وأن يُعيد بناء الحاضنة الشعبية لفتح على قاعدة الثقة والإقناع، لا التبرير والمجابهة.


إننا بحاجة إلى خطاب يُعيد فتح إلى مكانتها الطبيعية: قائدة مشروع التحرر الوطني، القادرة على الجمع بين المقاومة الشعبية والنضال السياسي والدبلوماسي في إطار رؤية وطنية موحدة تُخاطب الداخل والخارج بلغة واحدة ومسؤولة.
ففتح التي قادت الثورة قادرة أن تُعيد بناء نفسها، شرط أن تمتلك الجرأة لتُصلح بيتها الداخلي وتفتح أبوابها للمحاسبة والتجديد.


المطلوب الآن من الجميع — قيادةً وفصائلَ ومجتمعًا — أن ننتقل من مرحلة رد الفعل إلى مرحلة الفعل الوطني المنظم.


أن نبدأ حوارًا فلسطينيًا شاملًا لا يُقصي أحدًا، هدفه إعادة بناء النظام السياسي على أسس الوحدة والتشاركية، وتفعيل منظمة التحرير كممثل حقيقي لكل أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات.

لقد آن الأوان أن نتعلم من التجربة:
أن الانقسام لا يُنتج انتصارًا.
وأن المقاومة تحتاج إلى غطاء سياسي وطني لا فصائلي.
وأن غزة والضفة والقدس وكل فلسطين جسدٌ واحد لا يقبل التجزئة.
إن المرحلة المقبلة ليست مرحلة انتظار، بل مرحلة وعي وتنظيم وبناء.
فما بعد الحرب يجب أن يكون زمن المراجعة الوطنية واستعادة الثقة وتجديد الإيمان بالمشروع الوطني الفلسطيني.
فالوطن أكبر من الجميع، ومن يحب فلسطين حقًا، يبدأ التصويب بعد المعركة لا أثناء النزف.

شاهد أيضاً

الرئيس محمود عباس يستقبل وفدا من اتحاد المقاولين الفلسطينيين

الرئيس محمود عباس يستقبل وفدا من اتحاد المقاولين الفلسطينيين

شفا – استقبل رئيس دولة فلسطين محمود عباس ” ابو مازن ” ، اليوم السبت، …