
الاتفاق الأخير مع إسرائيل: هل يصمد السلام أم يواجه تحديات مستمرة؟ ، بقلم : محمد زيات
مقدمة
في أعقاب سنوات طويلة من التوتر والصراع، تم الإعلان عن اتفاق جديد بين الأطراف الفلسطينية وإسرائيل أو ما تعارف عليه اتفاق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويهدف إلى وقف الأعمال القتالية ووقف إطلاق النار وإعادة الهدوء للمنطقة، هذا الاتفاق يمثل خطوة سياسية مهمة، لكنه يثير تساؤلات جدية حول قدرته على الاستمرار في ظل التحديات الداخلية والإقليمية والدولية التي لا حصر لها، فالتصريحات الإسرائيلية الحديثة التي تُلح على استعادة جثث الأسرى الإسرائيليين قبل بدء المرحلة الثانية من الاتفاق، بالإضافة إلى تهديدات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بتفكيك وتسليم سلاح حماس وإمكانية “فتح الجحيم مرة أخرى”، تجعل من هذا الاتفاق إختبارًا حقيقيًا لصموده وقد يؤثر على ثباته وإستمراريته.
الخلفية التاريخية للصراع
الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي طويل ومعقد، ومتجذر في مطالبات سياسية وأرضية متعارضة، منذ تقسيم فلسطين في منتصف القرن العشرين، حاولت عدة اتفاقيات تحقيق السلام، مثل اتفاقيات أوسلو ووقف إطلاق النار متعدد المراحل، لكنها فشلت بسبب عدم الالتزام الكامل من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على مر السنوات الطويلة الماضية مما أدى إلى تصاعد العنف على طول السنوات اللاحقة وحتى يومنا هذا، ومن خلال دراسة هذه الاتفاقيات، يمكن ملاحظة نمط متكرر: التوصل إلى اتفاق، ثم عدم تنفيذ البنود الأساسية، ما يؤدي إلى تجدد التصعيد العسكري والسياسي، هذا التاريخ الطويل يعكس هشاشة أي تفاهم سياسي دون وجود آليات رقابية قوية وضمانات دولية واضحة.
تفاصيل الاتفاق الأخير
الاتفاق الأخير يحتوي على عدة بنود أساسية تهدف إلى وقف الحرب وتحقيق استقرار نسبي، منها:
1.وقف إطلاق النار: الالتزام الفوري بوقف الأعمال القتالية من جميع الأطراف.
2.تبادل الأسرى والمفقودين: خطوة تهدف إلى تخفيف التوتر النفسي والاجتماعي لدى الشعبين.
3.آليات المراقبة: تشكيل لجان لمتابعة الإلتزام بالاتفاق وتقديم تقارير دورية.
4.خطوات اقتصادية وإغاثية: دعم المناطق الفلسطينية المتأثرة بالصراع وإعادة بناء البنية التحتية.
رغم هذه البنود، يبقى الاتفاق هشًا، لأن المرحلة الثانية لم تبدأ بعد، وتعتمد بشكل كبير على حسن نية الأطراف، ما يجعل أي خرق محتمل يُشكل تهديدًا مباشرًا لاستقراره وإستمراريته.
التصريحات الإسرائيلية والأمريكية وتأثيرها على الصمود
تصريحات إسرائيلية حول المرحلة الثانية
أعلنت إسرائيل مؤخرًا على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتياهو أنها لن تدخل في التفاوض حول المرحلة الثانية من الاتفاق إلا بعد استعادة جميع جثث الأسرى الإسرائيليين، وهو ما يُعد تلويحًا واضحًا بإمكانية العودة للصراع في حال عدم تحقيق ذلك، هذا الموقف يضع الاتفاق تحت ضغط شديد، إذ يوضح أن الطرف الإسرائيلي يحتفظ بخيار التصعيد كوسيلة ضغط، وهو ما قد يقوض أي تقدم سياسي أو سلمي على الأرض، وقد تكون ورقة جثث الأسرى الإسرائيليين حُجة او مُبرر لإسرائيل من أجل إستكمال حربها على قطاع غزة، حيث أن هناك الكثير من الأسباب التي قد تؤدي بها لإعادة الحرب نذكُر منها:- الضغط الذي يمارسه اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة الوزيرين المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموترتش وما يملكانه من وسائل ضغط على نتنياهو بحل الحكومة، وأيضا محاولة قد تكون جيدة لنتنياهو كما تعودنا أن يهرب الى الأمام للتخلص ملفاته القضائية، والتخلص من فتح ملفات إخفاقه في يوم 7/10/2023 وخاصة أنه وجه أصابع الإتهام لكل من حوله من قادة المؤسسة الأمنية او حتى المستوى السياسي، ولم يُصرح بتصريح واحد أنه يتحمل الجزء الأكبر من هذه المسؤولية عن الإخفاق.
تصريحات ترامب عن سلاح حماس
في سياق متصل، صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن أي تأخر في تفكيك وتسليم أسلحة حماس قد يؤدي إلى “فتح الجحيم مرة أخرى”، وهو تهديد مباشر لإستمرار صمود الاتفاق، هذه التصريحات تُبرز الدور الدولي وتأثيره على نجاح الاتفاق، حيث أن تدخل القوى الكبرى يمكن أن يكون عاملًا ضاغطًا يؤدي إلى إضعاف الالتزام الكامل وخاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية تعد الضامن الأكبر لهذا الاتفاق، وقد يخلق هذا التدخل بيئة توتر جديدة قد تعيد المنطقة إلى دائرة الصراع.
العوامل المؤثرة على صمود الاتفاق
سياسية داخلية
•المعارضة الداخلية: هناك دائمًا فصائل أو مجموعات فلسطينية تعارض الاتفاق، وتعتبره تسوية غير عادلة، ما قد يؤدي إلى خروقات صغيرة أو كبيرة.
•الأجندات الحزبية: السياسة الداخلية في كل طرف قد تؤثر على تنفيذ الاتفاق، إذ يمكن استخدام الاتفاق كأداة ضغط داخلي.
•الضغط الشعبي: ردود فعل الجمهور والفصائل المختلفة قد تعزز الالتزام بالاتفاق أو تقوضه، خصوصًا إذا شعر الناس بعدم المساواة في التنفيذ.
العوامل الإقليمية والدولية
•الدول الكبرى: الولايات المتحدة وإسرائيل تلعبان دورًا مباشرًا في فرض شروط صارمة على التنفيذ، مما يزيد صعوبة الالتزام بالاتفاق وخاصة أن إسرائيل أثبتت في معظم المحاولات السابقة للوصول إلى اتفاق أنها قادرة على إفشاله قبل أن يبدأ.
•الدول المجاورة: الضغوط الإقليمية يمكن أن تكون داعمة أو معرقلة، خاصة إذا استغلت بعض الدول الوضع لتوسيع نفوذها السياسي أو العسكري أو حتى فرض أجندتها الخاصة في المنطقة.
•آليات الرقابة الدولية: ضعف الدور الرقابي للأمم المتحدة أو المنظمات الدولية يقلل من فرص التصدي لأي خرق، مما يزيد من هشاشة الاتفاق، فالرهان على هذه المنظمات أصبح ضعيفاً.
التحديات المحتملة
•خروقات عسكرية: إستمرار إطلاق الصواريخ أو الإشتباكات الصغيرة قد يؤدي إلى إنهيار الاتفاق.
•تعقيدات المرحلة الثانية: مع توقف المفاوضات حول المرحلة الثانية، يمكن إستغلال الفراغ السياسي لتصعيد التوتر.
•التصعيد الإعلامي: الإعلام المحلي والدولي يلعب دورًا مزدوجًا في تشكيل الرأي العام وزيادة الضغوط على الأطراف المتفاوضة.
تحليل مستقبل الاتفاق
الاتفاق الأخير يمثل خطوة إيجابية، لكنه هش ويعتمد على التزام الأطراف بشكل كامل، تصريحات إسرائيل وترامب الأخيرة تشير إلى وجود مخاطر كبيرة قد تؤدي إلى العودة للصراع، خاصة إذا لم يتم تنفيذ الالتزامات بسرعة وشفافية، ويمكن القول إن الاتفاق قد يصمد على المدى القصير فقط، أما المدى الطويل فهو مرتبط بمدى قدرة الأطراف على إدارة النزاعات الداخلية والإقليمية، والتزام القوى الكبرى بالضمانات والوساطات الدولية.
إن نجاح الاتفاق يبدو مرتبطًا بعدة عوامل رئيسية ضمن التحليل، حيث إن تعزيز آليات الرقابة الدولية على التنفيذ، وإشراك المجتمع المدني والفصائل الفلسطينية لمتابعة الإلتزام، والحد من تأثير الأجندات السياسية الداخلية، وممارسة الضغط الدبلوماسي على إسرائيل لضمان إستمرار المفاوضات في المرحلة الثانية دون تهديدات عسكرية، كلها عناصر ضرورية لضمان ثبات واستمرار الاتفاق.
وآخيراً…
يجب مراقبة التصريحات الدولية وإدارتها بحذر شديد لتجنب خلق توترات جديدة قد تعرقل التنفيذ، وتعلم الدروس من الاتفاقيات السابقة مثل أوسلو ووقف إطلاق النار متعدد المراحل، التي أظهرت هشاشة أي تفاهم مع إسرائيل دون ضمانات واضحة ومُلزمة وآليات تنفيذية قوية، بما في ذلك الالتزام الصارم بالهدنة وإشراك كل الفصائل الوطنية والاعتماد على رقابة دولية محايدة.