
المهمة الراهنة: إسقاط مجلس الوصاية «السلام العالمي» ، بقلم : راسم عبيدات
بدايةً، لا بد من القول إن ملامح اليوم التالي لإدارة قطاع غزة تتضح من خلال الواقع الميداني. لم تختفِ حركة حماس لا عسكرياً ولا إدارياً؛ بل شهدنا كتائب القسام بكامل سلاحها تنتشر في القطاع وتسد الفراغ في كل المناطق التي انسحب منها الجيش “الإسرائيلي”. بل بادرت إلى شن حملة عسكرية مركزة على العصابات واللصوص الذين كانوا يسطون على الشاحنات ويسرقون قوافل المساعدات الإنسانية، وحاولوا فرض مربعات أمنية في القطاع ونشر حالة الفوضى وعدم الاستقرار وتهديد وحدة المجتمع، وسحب المجتمع إلى متاهات ومحاولة تصوير ما يجري على أنه حرب أهلية. كما نفذت تلك الجماعات عمليات اغتيال وقتل بحق العديد من النشطاء والصحفيين. وسرعة قيام كتائب القسام باستهداف تلك الجماعات وتصفية واعتقال الكثير من قادتها — التي كان الاحتلال وشريكه الأمريكي وبعض الأطراف المتواطئة يراهنون عليها لتكون جزءاً من اليوم التالي لإدارة قطاع غزة — باتت دليلاً واضحاً على أن الهدف الإسرائيلي‑الأمريكي الجديد، المتمثل بفرض وصاية وشكل استعماري انتدابي جديد على قطاع غزة، أسوأ من الانتداب البريطاني على فلسطين، الذي بعد نصف شهر من الآن يكون قد مرّ على تطبيقه مئة عام.
هذا الواقع الذي أعقب وقف إطلاق النار، والذي بدّد صورة النصر الإسرائيلي‑الأمريكي والقضاء على حماس والمقاومة ونزع سلاحها، كشف كذبة نتنياهو حول قضائه على المقاومة. وجعل منه ومن ترامب مادة سخرية في الصحافة الإسرائيلية؛ فقد قال ترامب إنه سمح لحماس بالعمل في القطاع مؤقتاً، لكن بعد إصدار القيادة الوسطى للجيش الأمريكي بياناً ضد قيام كتائب القسام بتصفية واعتقال قيادات العصابات وقطاع الطرق اضطر لتعديل أقواله والقول بأنه سيحقق في الأمر.
بعد التسليم الإسرائيلي‑الأمريكي بفشل مخطط الطرد والتهجير بواسطة حرب إبادة — التي ألقي فيها على قطاع غزة أكثر من 200 ألف طن متفجرات — والعودة الفورية لسكان قطاع غزة بمئات الآلاف إلى منازلهم المدمرة، يتأكد أن هذه البيئة الحاضنة للمقاومة لم تعد تقبل بالتهجير لا قسراً ولا طوعاً، وأنها عائدة لتحمي ظهر المقاومة.
مشروع الطرد والتهجير كان يهدف إلى تغيير التوازن الديموغرافي في فلسطين التاريخية بين سكانها الأصليين من العرب الفلسطينيين والمستوطنين اليهود. فشل هذا المشروع قاد إلى طرح مشروع جديد وتحقيق هدف جديد عبر ما يسمى بمجلس الوصاية «مجلس السلام»، الذي نرى أن عملية التصدي له وإسقاطه يجب أن تكون المهمة الراهنة في إطار المفاضلة بين العناوين الأربعة التي يجب العمل عليها: مستقبل سلاح المقاومة، الدعوة لمحاسبة مجرمي الحرب وملاحقتهم، والضغط لرسم مسار واضح لقيام دولة فلسطينية.
خطة الوصاية على قطاع غزة المعروفة باسم «مجلس السلام العالمي» تريد من سكان قطاع غزة التخلي عن هويتهم وقضيتهم وحقوقهم الوطنية؛ فهي تنظر إليهم كجماعات سكانية تعيش في ولاية عالمية. فالقطاع سيُسلم إلى مرجعية سياسية دولية وإدارة أمنية دولية، وسكان القطاع سيتم مقايضتهم بالعيش والسماح لهم بالإعمار شريطة أن يستمر الفصل ما بين قطاع غزة والضفة الغربية، وأن لا تضمن الخطة لقطاع غزة أي أفق سياسي يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية، وتحويل قطاع غزة إلى منطقة عالمية يسكنها بشر بلا هوية ولا انتماء لوطن.
هذه هي خلفية البضاعة التي يحملها ترامب ويجول بها تحت عنوان «مجلس السلام»، الذي يقدم قبول رئاسته كتقدمة للفلسطينيين، بينما هو في الواقع مفتاح الحلقة المركزية في مشروع بديل للتهجير يهدف إلى شطب الهوية الوطنية للفلسطينيين وجعلهم رعايا في ولاية دولية بلا هوية تُدَار من قبل الرئيس الأمريكي.
الهدف شطب احتساب سكان قطاع غزة من إجمالي سكان فلسطين التاريخية. وما يجري من حديث عن أن عمليات الإعمار ستجري من خلال تقسيم قطاع غزة إلى مناطق لا تسيطر عليها حماس والمقاومة — والتي لن تكون جزءاً من الإعمار — وأن أموال الإعمار العربية التي يُلزم بها ترامب دول الخليج لن تشمل تلك المناطق، بل ستبدأ عملية إعادة الإعمار وبناء ما يعرف بـ«المدينة النموذجية» وغزة الجديدة، التي على حد وصفهم خالية من “الإرهاب والتطرف”، ستبدأ من مدينة رفح. حيث سيُجرى تقسيم القطاع على غرار اتفاق الخليل الذي جرى في 15/11/1997، وبموجبه أصر نتنياهو على إعادة التفاوض على المتفق عليه في اتفاق أوسلو، وقُسّم الخليل إلى منطقتين: (H1) تخضع للسلطة الفلسطينية و(H2) تخضع للسيطرة الإسرائيلية.
هذا النموذج سيُطبق على قطاع غزة لإعادة إعمار وبناء غزة الجديدة بأموال عربية وقيادة أمريكية وإسرائيلية، حيث ستشارك قوات عربية وإسلامية من مصر والإمارات وأذربيجان وإندونيسيا في الانتشار في قطاع غزة.
صحيح أن المقاومة الفلسطينية أسقطت مخطط التهجير بواسطة الإبادة، وهو إنجاز يعادل نكبة عام 1948، ولذلك يجب أن تكون مهمة إسقاط المشروع الجديد المهمة الراهنة لقوى وجماهير الشعب الفلسطيني ولكل حلفاء وأصدقاء فلسطين على المستويين العالمي والعربي‑الإسلامي. فهذا شكل استعماري غير مسبوق مغلف بشعارات السلام والازدهار، شعارات يراد بها نزع هوية سكان قطاع غزة الفلسطينية وتخليهم عن أرضهم وقضيتهم الوطنية. ولذلك — المهمة الراهنة للحفاظ على الهوية الفلسطينية والقضية الفلسطينية ووحدة الشعب الفلسطيني — هي إسقاط حكم الوصاية الجديد.
فلسطين — القدس المحتلة