
اليوم العالمي لحقوق الإنسان ، عندما تصمت المبادئ أمام معاناة أطفال غزة ، بقلم : د. سهير يوسف سحويل
في العاشر من ديسمبر من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهو اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948. هذا الإعلان، الذي وُلد من رحم مآسي الحرب العالمية الثانية، جاء ليؤكد على الكرامة المتأصلة والقيمة المتساوية لجميع أفراد الأسرة البشرية، واضعًا أسسًا عالمية للحرية والعدالة والسلام. لكن اليوم، وفي ظل ما يشهده قطاع غزة من كارثة إنسانية، يبدو هذا الاحتفال مثقلاً بالأسئلة المريرة حول جدوى هذه المبادئ وقدرة المجتمع الدولي على حمايتها.
حقوق الإنسان: من المبدأ إلى الواقع المرير..
ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على مجموعة من الحقوق الأساسية التي لا تقبل التصرف، مثل الحق في الحياة والحرية والأمان، والحق في عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة القاسية، والحق في مستوى معيشي لائق يضمن الصحة والرفاهية. هذه الحقوق ليست مجرد حبر على ورق، بل هي التزامات قانونية وأخلاقية تقع على عاتق الدول والمجتمع الدولي بأسره.
لكن عند النظر إلى مخيمات النازحين المكتظة في غزة، تتحول هذه المبادئ السامية إلى صرخة مكتومة. فالحق في الحياة يُنتهك يوميًا مع استمرار القصف، والحق في الأمان يصبح حلمًا بعيد المنال لسكان يعيشون تحت تهديد دائم. أما الحق في مستوى معيشي لائق، فيبدو سخرية قاسية أمام مئات الآلاف من النازحين الذين يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة: مياه نظيفة، غذاء كافٍ، مأوى آمن، ورعاية صحية. لقد تحولت المخيمات، التي يفترض أن تكون ملاذًا مؤقتًا، إلى بؤر للأمراض واليأس، حيث تكافح العائلات للبقاء على قيد الحياة في ظروف لا إنسانية.
الطفل الفلسطيني: ضحية الصمت الدولي ..
في قلب هذه المأساة، يقف الطفل الفلسطيني كأكثر الضحايا ضعفًا وهشاشة. إن اتفاقية حقوق الطفل، التي تعد أكثر مواثيق حقوق الإنسان مصادقةً في التاريخ، تضمن لكل طفل الحق في البقاء والنمو والحماية من كافة أشكال العنف والإهمال. لكن أطفال غزة يعيشون واقعًا يناقض كل بند من بنود هذه الاتفاقية.
*الحق في الحياة: آلاف الأطفال قُتلوا أو أصيبوا، وأصبحوا أرقامًا في إحصائيات الموت اليومية.
•الحق في الصحة: يعاني الأطفال من سوء التغذية الحاد والأمراض المعدية نتيجة انهيار النظام الصحي وشح الموارد.
•الحق في التعليم: دُمرت المدارس وتحولت إلى ملاجئ، ليُحرم جيل كامل من حقه في التعليم ومستقبله.
•الحق في الحماية: بدلاً من الحماية، يعيش أطفال غزة صدمات نفسية عميقة نتيجة رؤية الموت والدمار وفقدان عائلاتهم، وهي جروح قد لا تندمل أبدًا.
إن استهداف الأطفال، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عبر تدمير بيئتهم، ليس مجرد انتهاك للقانون الدولي الإنساني، بل هو اغتيال للمستقبل وسرقة لأحلام جيل لم يعرف من الحياة سوى الحصار والحرب.
وفي الختام مسؤولية لا يمكن التهرب منها في اليوم العالمي لحقوق الإنسان، لا يمكن للعالم أن يكتفي بالخطابات الاحتفالية والبيانات الرسمية بينما تُسحق أبسط الحقوق الإنسانية في غزة. إن مصداقية المنظومة الحقوقية الدولية بأكملها تقف اليوم على المحك. يجب على المجتمع الدولي أن ينتقل من التنديد الخجول إلى اتخاذ إجراءات حقيقية وفعالة لفرض وقف فوري لإطلاق النار، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات الجسيمة.
إن حماية حقوق الإنسان ليست خيارًا، بل هي مسؤولية جماعية. وإذا فشلنا في حماية أطفال غزة والنازحين في مخيماتها، فإننا لا نخذلهم فقط، بل نخذل الإنسانية جمعاء، ونفرّغ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من معناه وقيمته.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .