2:44 مساءً / 12 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

تداعيات حرب غزة على خرائط النفوذ الجيوسياسية الجديدة للشرق العربي ، بقلم : كريستين حنا نصر

تداعيات حرب غزة على خرائط النفوذ الجيوسياسية الجديدة للشرق العربي ، بقلم : كريستين حنا نصر


منذ انطلاق حرب غزة أي طوفان الاقصى التي نفذتها حركة حماس في السابع من اكتوبر عام 2023م ، والى اليوم نلاحظ تداعيات وتطورات سياسية وعسكرية أثرت على المنطقة جراء الصراع في غزة بين حركة حماس واسرائيل . وبالاخص ما حققته خلالها اسرائيل من نتائج غيرت من شكل وطبيعة الصراع في المنطقة العربية ، و أول هذه التداعيات كان كبح نفوذ حزب الله الأمني والعسكري ، من خلال عملياتها ضد معقل الحزب ومقر قيادته الأمنية والحزبية ، حيث أنه وجراء الحرب بين حزب الله واسرائيل فيما سُمي حرب الاسناد لغزة ، فقد مُني الحزب انذاك بهزيمة بشعة ومدوية ، اذ استهدف الكثير من قادته بمن فيهم أمين العام الحزب السيد حسن نصر الله وخليفته هاشم صفي الدين وهذه النتيجة جاءت بعد عدة ضربات اسرائيلية على منطقة الضاحية المنكوبة ، ومنها الضربة التي عُرفت بعملية أو حادثة البيجر حيث استهدفت عناصر الحزب ، وهو الذي بعد هزيمته بسبب الضربات الاسرائيلية بات أي الحزب أضعف مما كان عليه سابقاً ، ولم يبقى لحزب الله الآن أي تهديد وتدخل في الصراع بين اسرائيل وحركة حماس خاصة بعد خسارته ونكباته المتتالية ، أي عدم التعدي أو المساس في السيادة اللبنانية في قرار السلم والحرب بدلا عن الدولة والجيش .


وهنا يمكن القول أن حرب السابع من اكتوبر وتداعياتها أثرت على الجبهة اللبنانية وعملت على تقليص قوة الحزب ، وبالأخص ليس سياسياً فحسب ولكن أيضاً عسكرياً ، وهذه الخطوة هي التي فتحت أبواب الوصول الى انتخاب الرئيس الجديد جوزيف عون للجمهورية اللبنانية ، والتي جاءت بعد انقطاع للإنتخابات الرئاسية في لبنان حيث بقيت بدون رئيس لمدة طويلة من الزمن ، والان لبنان في سباق تجاه لملمة الأمور وتنظيم شؤونها ، وأهمها السعي نحو أولوية حصر السلاح بيد الدولة وبالاخص السلاح الخارج عن الدولة لسلاح حزب الله اللبناني.


أما التغيير الثاني الذي طرأ خلال حرب السابع من أكتوبر وتدعياتها ، هو سقوط النظام السوري البائد والتوقيت كان بالطبع بعد تقليص قوة حزب الله في لبنان ، حيث انه تمّ حينها تلاشي وجود مظاهر نفوذ حزب الله في الاراضي السورية واضمحلال واضح لعناصره في سوريا ، وقد دخلت سوريا مرحلة جديدة من تاريخها أي بعد القضاء على قوة ونفوذ حزب البعث السوري وإلغاء معظم القرارات التي كان الحزب يدعمها ويتبناها ، وأهم الاجراءات كان اغلاق كامل مقرات حزب البعث وبصورة كلية ، وبالتالي دخلت سوريا مرحلة جديدة انتقالية من تاريخها ، تمّ فيها اصدار قرار من قبل السيد أحمد الشرع ، وهو بأن يكون اليوم الثامن من ديسمبر هو عطلة رسمية للثورة السورية . والآن تدخل سوريا مرحلة انتقالية برأسة السيد احمد الشرع الرئيس المؤقت ، لاعادة بناء الدولة السورية الجديدة مع كل التطورات السياسية والعسكرية المختلفة التي شهدتها هذه المرحلة الانتقالية لبناء سوريا الجديدة ، ودون وجود حزب البعث السوري فيها أو وجود نفوذ لحزب الله أيضاً والمدعوم ايرانياً ، وقد دخلت سوريا اليوم في علاقة مع دول الجوار خاصة بعد زيارة وزير خارجية سوريا أسعد الشيباني مؤخراً الى لبنان واعادة تجديد العلاقات السورية اللبنانية بعد قطيعة طويلة مع نظام الاسد البائد .


وبالطبع المرحلة الصعبة التي تمر فيها سوريا الان وبالاخص ملف المناوشات الطائفية والعرقية التي اثرت على استقرار الوضع الحالي في سوريا ، وتحديداً ما يتصل بالانتهاكات بحق الاقليات السورية وأحداث الساحل السوري ومدينة السويداء المحاصرة حتى الان ، الى جانب الانتهاكات في وادي النصارى مؤخراً .


وبعدها ندخل للحديث وتحليل عن المرحلة الثالثة لتداعيات حرب غزة على الخرائط الجيوسياسية في المنطقة ، وأهمها كان حرب الاثنا عشر يوماً مع ايران ، حيث شنت اسرائيل حرباً ضد ايران وتمّ خلالها تبادل رشق الصواريخ بينهم فوق المجال الجوي لبعض الدول العربية ، والتي تأثرت من الصورايخ الايرانية ، وابرزها المملكة الاردنية الهاشمية والتي صدت بعض الصواريخ لحماية أمنها القومي ضد أي اعتداء على اراضيها ولأجل سلامة الشعب الاردني، واثناء هذه الحرب تكبدت إيران خسائر كبيرة من قوتها الصاروخية العسكرية تحديداً ، ونجحت اسرائيل في تدمير وتعطيل البرنامج والقوى الايرانية النووية ، حيث استباحت اسرائيل سماء ايران مستهدفة عدة مواقع عسكرية ونووية على اراضيها. وبعدها تمّ تجميد القوى الايرانية خاصة دورها في حرب وحدة الساحات ، حيث خمدت الساحة الايرانية والساحة اللبنانية ممثلة بحزب الله اللبناني فيها ، ولكن بقي نفوذ حزب الله والميليشيات الايرانية في الساحة العراقية واليمنية ، ومن الممكن أن تفتح هذه الجبهات في المستقبل في كل من العراق واليمن فقط لتقليص النفوذ الايراني فيها . وهناك كانت عدة ضربات اسرائيلية على اليمن للقضاء على جماعة الحوثيين .


وهنا ندخل العنصر الرابع من تداعيات حرب غزة وتحديداً في عمق الصراع الاسرائيلي مع حركة حماس وتداعيات الحرب بينهم على نفوذ حركة حماس في غزة ، قبل الحرب وأثناء الحرب وكذلك بعدها أيضاً ، حيث استهدفت اسرائيل مؤخراً مكتب حركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة ، وهو أمر دق ناقوس الخطر في دول الخليج ، اذ تخطت هذه الخطوة الخطوط الحمراء في استهداف دولة خليجية ، وقبلها استهدفت اسرائيل قيادات بارزة في حركة حماس واستمرت الحرب حتى اليوم ، وتغيرت ملامح النفوذ الجيوسياسية في المنطقة ، وفرضت امريكا برئاسة ترامب ومن خلال اقناعه لرؤساء بعض الدول العربية والاسلامية الاتجاه نحو التوقيع على السلام في غزة و وقف الحرب . وأهمها قطر وتركيا اللتان تدعمان حركة حماس وقد وافقت ودعمتا معاً الخطة التي طرحها ترامب للسلام و وقف الحرب في غزة .


وهنا ندخل في تغيير واضح لخرائط النفوذ وبالتحديد في مدينة غزة ، اذ وافقت الحركة على خطة السلام المقترحة بما فيها تبادل الاسرى ، والان هم في مرحلة المفاوضات من أجل تنفيذ بنود خطة السلام ، ومنها ما يتعلق بمستقبل غزة وهي أن تكون منطقة منزوعة السلاح ، وبدون حركة حماس وادارة غزة من حكومة تكنوقراط فلسطينية ، وفي هذه المرحلة نلاحظ أن قوى وحدة الساحات قد تم تقليصها مع قوى الاسناد والنفوذ الايراني في المنطقة ، لكن يبقى النفوذ الايراني موجود في العراق ، خصوصاً الحكومة الحالية وعلاقتها مع الميليشيات الايرانية والتي يمكن ان نشهد خلال الوقت القادم تغييرات جذرية مستقبلية في الساحة العراقية ، الى جانب ما يمكن تسميته تغييرات في لعبة خرائط النفوذ ، ويمكن ان يكون هناك تسوية سياسية لتقليص نفوذ ايران في العراق أو السعي لكبح عسكري للميليشيات الايرانية الموجودة في العراق .


غزة تغيرت بعد حرب السابع من اكتوبر للأسف جراء هذا الصراع ، فهي شبه مدمرة وقتل الكثير من طرفي الصراع والاكثر المتضرر هم من مواطنين وأهل غزة التي شرد أهلها ودمر بُنيانها ، كذلك تعرضت سياسيا وعسكريا للدمار ، وفي المحصلة لوقف الحرب بنود ترامب إتجاه حركة حماس سوف تكون خارج اللعبة في غزة ، وأيضاً محور وحدة الساحات والاسناد في المنطقة أيضاً خارج اللعبة ، خاصة في لبنان وسوريا . وبعد حرب غزة سوف تدخل منطقة الشرق الاوسط مرحلة جديدة سمتها لا جيش خارج إطار الدولة ، ولا أحزاب وقوى مدعومة من الخارج أيضاً ، وبالمحصلة بشكل لا يمس سيادة بعض الدول في الشرق العربي خاصة لبنان وسوريا والعراق الذين تاثروا من تدخل الأحزاب في سيادة دولهم .
و اليوم فإنني أتمنى أن تدخل المنطقة مرحلة جديدة من البناء والنماء والسلام ، تتحسن فيها اقتصاديات هذه الدول ، وتحديداً سُبل لحل مشكلة الفقر والبطالة وبالأخص لفئة الشباب الذي يعاني اجتماعياً ومالياً في المنطقة ويجب الالتفات الى فئة الشباب وانقاذهم والسعي الى تعزيز مشاركتهم في جميع مفاصل الدولة ، ليصبحوا عملياً مواطنين فاعلين في مجتمعاتهم في الدول العربية . ويبدو أن المستقبل مليء بالتطورات الجيوسياسية في منطقة الشرق العربي .

شاهد أيضاً

الرئيس محمود عباس يوجه رسالة شكر إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون

الرئيس محمود عباس يوجه رسالة شكر إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون

شفا – وجه رئيس دولة فلسطين محمود عباس “ابو مازن” ، رسالة إلى رئيس الجمهورية …