12:01 صباحًا / 12 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

ماجد أبو شرار ، الكلمة التي واجهت الرصاصة ، بقلم : د. منى أبوحمدية

ماجد أبو شرار ، الكلمة التي واجهت الرصاصة ، بقلم : د. منى أبوحمدية

ماجد أبو شرار : الكلمة التي واجهت الرصاصة ، بقلم : د. منى أبو حمدية

في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، تتجاور البنادق والأقلام على خطّ النار ذاته، فكما يُشعل الرصاص ميادين المواجهة، تُشعل الكلمة وعي الشعوب وتوقد جذوة الانتماء. وفي هذا السياق، يبرز اسم ماجد أبو شرار بوصفه أحد أولئك الذين جعلوا من الكلمة سلاحا موازياً للبندقية، ومن الفكر فعلاً نضالياً، ومن الحرف موقفاً وجودياً. لقد آمن بأن الثورة لا تكتمل إلا حين تمتلك وعيها، وأن الحرية لا تُصان إلا حين تُروى بالحبر كما تُروى بالدم.


النشأة والبدايات: وعي يتفتح على جرح الوطن


وُلد ماجد أبو شرار عام 1936 في قرية دورا قضاء الخليل، في زمنٍ كان فيه الوطن ينزف تحت وطأة الاحتلال والتهجير. في بيئة ريفية متشبعة بالقيم الفلسطينية الأصيلة، نما وعيه على فكرة أن التعليم هو الشكل الأول للمقاومة، وأن المعرفة هي البذرة التي تُنبت الكرامة.


عمل مدرسا في مدرسة (عي) بقضاء الكرك، ثم مديراً لها، قبل أن يغادر إلى الدمام عام 1959 ليعمل محررا في صحيفة الأيام. وهناك، بدأت ملامح شخصيته الإعلامية تتشكل؛ إذ تحوّل قلمه إلى مرآة للوعي الجمعي الفلسطيني، وراح يكتب بلغة تجمع بين حرارة الانتماء وصرامة الفكرة. كانت الصحافة بالنسبة إليه ليست حرفة، بل منبرا للتوعية الإيجابية وبناء الوعي الثقافي المقاوم.


في صفوف الثورة: اللغة بوصفها أداة تنظيم وبناء


انضم أبو شرار إلى حركة فتح عام 1962، في مرحلة كانت الحركة فيها أشبه ببذرة في تربة مشتعلة بالامل . ومع تفرغه الكامل بعد عام 1968، تفتّح دوره في جهاز الإعلام، حيث عمل إلى جانب الشهيد كمال عدوان، متبنّياً فكرة أن الإعلام ليس مجرّد نقل للأحداث، بل هو صناعة للوعي الجمعي وتشكيل للخطاب الثوري.


تولّى رئاسة تحرير صحيفة فتح اليومية، فحوّلها إلى منبر نضالي يبني ذاكرة الفلسطينيين من جديد، ويُعيد صياغة الوعي الوطني بلغة توازن بين البلاغة والتحريض، بين العقل والعاطفة.


المسؤولية الإعلامية: حين يصبح الحرف فعلاً سياسياً


بعد استشهاد كمال عدوان عام 1973، تولّى أبو شرار مسؤولية الإعلام المركزي ثم الإعلام الموحّد لمنظمة التحرير الفلسطينية. لم يكن ذلك منصبا اداريا بقدر ما كان موقفا فكريا : أن توحيد الخطاب الإعلامي يعني توحيد الرؤية الوطنية.


كان يدرك أن الاحتلال لا يواجه فقط بالسلاح، بل أيضًا بالمعنى، وأن المعركة على الرواية لا تقل خطورة عن المعركة على الأرض. لذلك، سعى إلى بناء خطاب فلسطيني يواجه الدعاية الصهيونية بوعيٍ لغويّ متقن، يرسّخ حضور فلسطين في الذاكرة العربية والعالمية.


التربية الثورية: الوعي بوصفه بندقية


رأى ماجد أبو شرار أن الثورة التي لا تصنع الإنسان الثوري الواعي، محكوم عليها بالانكسار. لذا، أسّس عام 1969 مدرسة الكوادر الثورية في قوات العاصفة، لتكون معملًا لإنتاج المناضل المثقف، لا المقاتل العابر.


وفي الفترة ما بين 1973 و1978، تولّى مهمة المفوض السياسي العام، حيث زرع في المقاتلين الإيمان بأن البندقية تحتاج إلى فكرٍ يسندها، وأن الشجاعة بلا وعي قد تنقلب على ذاتها.


ومن موقعه في الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، ظلّ يُؤكد أن الثقافة هي الجبهة التي تسبق كل الجبهات.


من الفكر إلى القيادة: مسيرة رجل الدولة الثائر


عام 1980، انتُخب أبو شرار عضوا في اللجنة المركزية لحركة فتح، بعد أن شغل موقع أمين سرّ مجلسها الثوري. كان ذلك تتويجاً لمسيرة فكرية وتنظيمية عميقة، جمعت بين المنظّر والميداني، بين السياسي والمثقف. في زمنٍ كان التيه السياسي العربي يتسع، كان صوته واضحا وحادا : أن الثورة لا تُقاس بعدد البنادق، بل بقدرتها على حماية الحلم الوطني من التآكل.


الاغتيال: حين خشي الاحتلال من الكلمة


في صباح التاسع من تشرين الأول/أكتوبر 1981، امتدت يد الموساد الإسرائيلي لتغتال جسده في أحد فنادق روما، أثناء مشاركته في مؤتمر عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. زرعوا قنبلة تحت سريره، في محاولة لإسكات صوتٍ حمل الوطن على لسانه.


لكنّ الرصاصة التي أسكتت الجسد، لم تستطع إسكات اللغة وبقي صدى كلماته يتردّد في كل منبر ، يرفع راية الحرية.
دُفن في مقبرة الشهداء في بيروت، لكن قبره لم يكن نهاية الرحلة، بل بداية رمزٍ خالدٍ للكلمة التي لا تموت.


الكلمة كفعل مقاومة


تُمثّل تجربة ماجد أبو شرار نموذجا فريدا للمثقف المقاوم الذي جمع بين الخطاب الأدبي والإعلامي والسياسي في نسيج واحد. لغته لم تكن توصيفية، بل بنائية؛ كانت تُعيد صياغة الواقع الفلسطيني في خطاب يستنهض الوعي ويعيد ترتيب المفاهيم.


لقد حوّل الكلمة إلى فعل توعوي وثوري جميل، وجعل من الإعلام مرآة للهوية لا أداة دعائية.


في كتاباته يتجلى التوازن بين الحس الجمالي والبعد الوطني، إذ تتناغم الصورة الشعرية مع الفكرة الثورية لتولّد نصا ينهض بالمعنى ويؤسس للذاكرة.


إرث خالد: الوعي بوصفه وطناً


رحل أبو شرار جسدا ، لكنه ترك وراءه مدرسة فكرية كاملة في الإعلام المقاوم والثقافة الوطنية. كان يؤمن أن الثورة تبدأ من العقل، وأن تحرير الأرض لا يكتمل من دون تحرير الوعي.


لقد جسّد بفكره ومسيرته المعنى الأعمق لفلسطين: أنها نصٌّ مفتوح على الحرية، تُكتب بالكلمة وتُروى بالشهادة.
الفكرة التي لا تُغتال


ماجد أبو شرار لم يكن مجرّد اسم في سجل الشهداء، بل علامة في مسار الوعي الفلسطيني. اغتاله العدو لأنه أدرك أن الكلمة التي يكتبها قد تفتح جبهة جديدة في الوعي، وأن الحبر حين يمتزج بالدم يصبح أبلغ من كل بيان.
رحل، لكن فكرته بقيت:( ان فلسطين تُكتب بمداد الشهداء، وتُحيا بالكلمة الحرة التي لا تعرف موتاً)

  • – د. منى أبو حمدية – أكاديمية وباحثة – فلسطين

شاهد أيضاً

مستوطنون يهاجمون تجمع خلة السدرة البدوي شمال شرق القدس

مستوطنون يهاجمون تجمع خلة السدرة البدوي شمال شرق القدس

شفا – هاجم مستوطنون التجمع البدوي في منطقة خلة السدرة البدوي بالقرب من بلدة مخماس، …