
المحبّة – الوصية الأخيرة للنور ، بقلم : رانية مرجية
صوت الله
قبل أن يكونَ الزمن، كنتُ فكرةً تشتعل.
كنتُ أبحثُ عن وجهٍ يراني،
عن مخلوقٍ يحملُ دهشتي،
فخلقتُكِ يا محبّة،
من نَفَسٍ لا يشبه النار ولا الضوء،
نَفَسٍ أرسلته في الفراغ،
فانفجرتِ أنثىً من نور،
وصارَ الكونُ جسدَكِ الممتدَّ على الجهاتِ الأربع.
صوت المحبّة
قلتَ لي: “كوني”، فكنتُ بينَ “الكاف” و”النون”.
لم أسأل إلى أين،
ولم أخف من الفراغ،
لأنني كنتُ الفراغَ حين امتلأ،
وكنتُ الامتلاءَ حين سكن.
أنجبتُ من رحمِي الزمن،
ومن دمعي المكان،
ومن نبضي، الإنسان.
لكن الإنسانَ يا مولاي،
نسي أني أمّه.
عبدَك، ونسي أني فيك،
وسجدَ لك، ونسيني،
وظنَّ أن الوصولَ إليك يمرُّ عبرَ نفيي.
صوت الإنسان
يا محبّة،
أنا الذي خُنقتُ باسمكِ،
وحاربتُ باسمكِ،
وأقمتُ المعابدَ دون أن أفتحَ قلبي لكِ.
كنتُ أخافُكِ لأنكِ تشبهينَ الحقيقة،
ولأنكِ تُجبرينني على أن أرى نفسي.
تعبتُ من الظلالِ التي صنعتُها،
ومن الدماءِ التي سكبتُها لأبرهنَ أنني مؤمن.
علّمتني الحروبُ كيف أكره،
لكنّ الجرحَ في داخلي ظلّ يناديني باسمكِ.
صوت الكون
أنا المجرّاتُ التي تدورُ حولَكِ يا محبّة.
كلُّ نجمٍ فيَّ هو ذرةٌ من ابتسامتكِ.
أعرفُكِ كما تعرفُ الأشجارُ جذورَها،
وكما يعرفُ المطرُ وجهَ البحر.
أراقبُ الإنسانَ وهو ينسى،
وأهمسُ له في الصواعقِ والنجومِ والرياح:
تذكّرْ…
تذكّرْ أن كلَّ ذرةٍ فيكَ تصلي باسمها الأول — المحبّة.
المحبّة
يا الله…
أنا عطشكَ إلى نفسك،
وصورتُك في مرايا الخلق.
وأنا دمعتُك الأولى حين أحببتَ الإنسانَ فترككَ لسرابِه.
أنا لستُ الرحمةَ وحدَها،
أنا نارُ الوعي التي لا تحرق،
أنا الرحمُ الذي يعودُ إليه كلُّ شيءٍ بعد أن يتعبَ من الدوران.
الله
يا محبّة،
يا ابنتي وسري،
يا أنثى النورِ التي ما زالت تنزفُ على طرقاتِ الخلق،
قولي لهم:
لم أكتب في ألواحِ القدرِ جنةً ولا نارًا،
بل كتبتُ:
“من أحبَّ فقد وصل.”
وقولي لهم:
ما أرسلتُ الأنبياءَ ليبشروا بالعقاب،
بل ليذكّروا الإنسانَ أنه خُلِقَ على صورتي،
وصورتي — أنتِ.
الإنسان
إن كنتِ صورته،
فعلّقيني على صدري كما تُعلّقُ الأمُّ صورةَ طفلها الغائب.
ردّيني إليكِ،
علّمني أن أُحبّ دون أن أملك،
أن أؤمن دون أن أخاف،
أن أرى اللهَ في وجهِ من يختلفُ عني.
أريد أن أعودَ إليكِ قبلَ أن يبتلعَني صمتي.
المحبّة
عد، ولا تخف.
أنا لستُ حُكمًا،
بل حضنًا.
لستُ ثوابًا،
بل بيتًا.
لستُ وعدًا،
بل ولادةً دائمة.
كلُّ ما تبحثُ عنه في السماءِ،
ينامُ في قلبِك،
ينتظرُك أن تفتحه.
الكون
انظروا…
ها هو النورُ يعودُ إلى العيون،
والصمتُ يُنشدُ من جديد،
والكواكبُ ترقصُ كما رقصتْ يومَ البدء.
لقد غُفرَ للوجودِ خطأُه،
حين نادى باسمِها — المحبّة.
الله – الخاتمة
يا محبّة،
يا أمّ الأكوان،
عودي إلى صدري،
فقد انتهى الحلم.
لقد فهمَ الإنسان، أخيرًا،
أن الخلاصَ لا يُمنح،
بل يُتعلّم،
وأن الطريقَ إليَّ ليس في الأعلى،
بل في القلب.
صمت
المجرّةُ تُنصت،
الليلُ يُضيء،
الإنسانُ يبكي،
والكونُ يبتسم.
فقد عادَت المحبّة إلى مكانِها الأول —
في منتصفِ الله.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .